بوش شخصية العام

بوش شخصية العام
اختارت مجلة “التايم” الرئيس الأمريكي جورج بوش كشخصية العام! وهو أمر أثار لدى البعض استياء لكون بوش – بحسب هؤلاء – لم يقدم للعالم ما يؤهله لاستحقاق لقب رجل أو شخصية العام، بينما رأى البعض الآخر، أن مساهمات بوش السياسية والاقتصادية للعالم، تجعله مستحقاً لأكثر من مجرد لقب “رجل العام”.
الخلاف حول أهلية الرئيس الأمريكي للقب رجل العام، لا يقتصر فقط على المواطنين من خارج الولايات المتحدة وحسب، وإنما سبق وأن ثار جدل مشابه إبان الانتخابات الأمريكية الأخيرة، حيث استعرض الناخبون مؤهلات كل من المرشحين للرئاسة، بوش من جهة وكيري من جهة أخرى.
وعلى الرغم من أن مقارنة بين مرشحي الحزبين المتنافسين، هي أمر طبيعي في الولايات المتحدة، خصوصاً إبان الانتخابات الرئاسية، فإن المقارنة في الانتخابات الأخيرة كانت أكثر بروزاً، واتخذت منحى آخر، وبحيث حفلت تلك المقارنة – خاصة في الصحافة والإعلام – بتفاصيل دقيقة تتعلق بهوية كلا الحزبين، الديمقراطي من جهة والجمهوري من جهة أخرى! فبينما ركز كيري على الاستثمار الداخلي، والعلاقات الدولية، والاقتصاد وقضية الحرب في العراق، تميز طرح بوش بهوية محافظة تنبذ الكثير من الأمور اللاأخلاقية في المجتمع الأمريكي مثل زواج المثليين، والإجهاض وتجارب الخلايا الجذعية والاستنساخ، وغير ذلك من أمور يرفضها الرئيس الأمريكي ويرى فيها خروجاً سافراً على “حقوق الله” والأخلاق الحميدة!
وعلى الرغم من انشقاق المجتمع الأمريكي الذي عكسته الانتخابات الأخيرة، واختلافه حول ما طرحه كلا المعسكرين، الجمهوري والديمقراطي، فإن ذلك الانشقاق بدا أكثر بروزاً لدى شريحة العلماء في الولايات المتحدة!
في أكتوبر الماضي، نشرت الـ”هيرالد تريبيون” مقالاً حول الحرب الأمريكية ضد العلماء والعلم في أمريكا، أو كما أسماها كاتب المقال! وحيث يتساءل الكاتب عن الأسباب وراء تجاهل الإدارة الأمريكية في الأعوام الأربعة الماضية لدور وجهد العلماء، وإقصائهم عن المجالات التي كانت مفتوحة لهم في الإدارات السابقة! وبحيث تجمدت دراسات قام بها علماء، كالدراسة التي أجراها الفريق العامل في “ناسا” والمتعلقة بظاهرة الانحباس الحراري التي يرى هذا الفريق أنها قضية مهمة جداً، وتشكل خطراً حقيقياً على الأرض! كما يتهم هؤلاء العلماء الإدارة الحالية بالانتقائية، وبعدم دعمها لأبحاث مهمة مثل أبحاث الخلايا الجذعية، والأبحاث المتعلقة ببرنامج العراق النووي، وأنها – أي الإدارة الأمريكية – تعمل على اختيار المعلومات التي تلائمها! بل يتهم أحد العلماء في أمريكا الإدارة السياسية بأنها قد تلاعبت ببعض العناوين الرئيسية والفقرات المكتوبة بصورة بدلت في شكل الأبحاث العلمية! مما دفع ببعض المسؤولين في حكومة بوش إلى تهريب بعض تلك التجاوزات إلى الصحافة الأمريكية!
الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي اختارته مجلة “التايم” ليكون شخصية العام، هو بالتأكيد ليس كذلك، أو على الأقل بالنسبة لشريحة كبيرة من الأمريكيين!
لكن ذلك على ما يبدو لم يمنع الرئيس الأمريكي من المضي في تحقيق حلمه الذي سخر له برنامجه الانتخابي وشعاراته السياسية، هذا الحلم الذي يلخصه البعض في رغبة بوش الجامحة لاستخدام الآلة العسكرية في تحقيق “حكم الله” على الأرض، وترويج الهبة الإلهية في سيادة الحرية وذلك وفقاً للرؤية العقائدية للرئيس المنتخب!
من الواضح أن إدارة جورج بوش الابن تحمل ضمن طيات ملفاتها وبرامجها، نزعة دينية بروتستانتية واضحة، وهو أمر يضع علمانية المجتمع الأمريكي على مفترق طرق! خصوصاً إذا ما نحن أدركنا أن ما حققته الولايات المتحدة من تفوق سياسي وعسكري ومالي نابع بالدرجة الأولى من نهج مجتمع علماني بحت يدين بالتجربة فقط كمقياس للحقيقة! وبالبحث العلمي كشرط أساسي للتوثيق والبرهنة! لكن مثل هذا الوعي آخذ في التغير، ليس بسبب جورج بوش وحده، وإنما يتفق معه ٪85 من الأمريكيين الذين يصنفون أنفسهم كمسيحيين، قبل أي هوية أخرى!
مما يؤكد على ميلاد هوية أمريكية جديدة، بدلاً من هوية العقيدة الأمريكية الآخذة في الزوال!


