الحرب.. ما الذي تَغَيَّر؟

الحرب.. ما الذي تَغَيَّر؟
بالصدفة تابعت فيلماً أثناء فترة الغزو يتحدّث عن أدق التفاصيل التي كنا نعيشها في الكويت آنذاك. الفيلم ربما من إنتاج عام 1988 تناول وبشكل دقيق غزو الكويت من قِبَل النظام القائم في العراق، ثم دخول الجيوش من شتى دول العالم لتأمين “العدالة”.
اليوم، وفي ظل التصعيد المُتَسارع في الأزمة بين روسيا من جهة، والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، من جراء غزو الأولى لأوكرانيا، يبحث البعض عن نبوءات السينما الهوليوودية للأحداث الراهنة، لِيَجد عدّة أعمال يمكنها أن تعكس، وربما بالتفصيل، ما يحدث اليوم في أوكرانيا، أحد هذه الأعمال مسلسل قصير تم عرضه في عام 1982 على NBC الأمريكية، تدور أحداثه في المستقبل، حيث يقوم الاتحاد السوفيتي آنذاك بإرسال فرقة لتخريب خط أنابيب النفط الأمريكي، وذلك رداً على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على السوفيات بِحَظْر توريد الحبوب لهم، ويتصاعد التوتّر بين الدولتين مع تَخَوّفات من قيام الحرب العالمية الثالثة، التي سيتم فيها استخدام الأسلحة النووية.
فيلم آخر ظهر في عام 2002، وهو من أفلام الخيال العلمي يتحدّث عن مرحلة ما بعد انتهاء الحرب وفناء نسبة كبيرة من البشر، يسعى بطل الفيلم للقضاء على مجرمي العقول الذين ينتهكون القانون في آخر مدينة مُتَحضّرة بَقِيَت بعد فناء العالم، حيث يسعى إلى التحكّم في المشاعر البشرية والتفاعل معها وضبط إيقاعها، حتى يُصبح سكان المدينة عاجزين عن تكوين المشاعر أو فهمها في إشارة إلى أن المشاعر الإنسانية هي السبب الأول في الحروب.
كثيرة هي الأفلام التي تناولت نهاية العالم والحرب العالمية الثالثة والتهديد النووي، لا ينافسها في العدد سوى النظريات السياسية والتحليلات التي تَستَنبط ما وراء تحرّكات وتصريحات الجيوش والأنظمة السياسية.
ويبقى السؤال دائماً حول مدى احتمال تهوّر أي من القوى النووية اليوم بإشعال حرب مدمرة، خاصة في ظل واقع سياسي عالمي تَتَصدّر زعامته مجموعات من الحمقى والمتهورين، ففي أوروبا تنتاب حالة من القلق والخوف نفوس الناس، بشكل جعل المدارس توصي الطلبة بتناول اليود كوقاية من التلوث النووي، هذا بخلاف التحذيرات المستمرة بضرورة مغادرة أوكرانيا فوراً.
في واقع الأمر إن الحرب التي يتوقّعها العالم هي قائمة فعلياً، فالهجمات الإلكترونية حرب، وعملية تدوير وتصنيع الفيروسات واللقاحات هي أيضاً حرب، وعسكرة العالم بالاحترازات الصحية إبان كورونا كذلك حرب، وإرسال أطنان من الأسلحة إلى مناطق التوتّر ما هي إلا دعوة للحرب. الحروب تَتَغيّر بِتَغيّر ظروف ومُعطيات التاريخ، فالحرب العالمية الأولى كانت بأدوات مختلفة والأهداف كانت في توزيع إرث الدول التي سقطت آنذاك، ثم لتتبعها الحرب الثانية التي مارَسَت خلالها الدول الكبرى خطط الاستعمار المباشر، وذلك باحتلال وتقسيم مناطق عديدة في العالم وتوزيعها حصصاً على الدول المُنتَصِرَة.
الحروب لم تنته لِتَبدأ، كل ما هنالك أن تغييرات طرأت في أساليبها وطرقها بِفِعل عوامل مختلفة كالعلم والتكنولوجيا والجغرافيا والصناعة وملكية الموارد والأراضي وسلطة ونفوذ القوانين الدولية الحديثة، فبعد أن كان البارود هو الحاسم في المعارك في نهاية القرن، أصبح السلاح النووي هو معيار التفوّق وعامل النصر. اختلفت مصادر التهديد والخطر فتغيّرت معها فلسفة الحروب وثقافتها وأهدافها، وهو أمر لخّصه كلام لهنري كيسنجر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حين كتب مؤكداً أن العالم قد دخل مرحلة جديدة بظهور التنظيمات المستقلة عن الدولة، والقادرة على تهديد الأمن المحلي والعالمي، ما يعني تآكل مفهوم الدولة بالمعنى التقليدي ونهاية التصور القديم لمفهوم السيادة الوطنية.
طائرات من دون طيار، وفيروسات سهلة الحصول، وأباطرة مخدرات، ومتمردون على القوانين، وإرهابيون بألف ثوب ولهجة وثقافة، وهاكرز مُتَمرّسون وقادرون على شَل مدن بأكملها، هذه كلها هي أدوات الحروب اليوم، الحروب التي بدأت مع بداية البشرية ولن تنتهي طالما ساد الإنسان الأرض والخليقة.
