بداية التاريخ.. أم نهايته؟!

بداية التاريخ.. أم نهايته؟!
يرى الدكتور شفيق الغبرا في مقال له نُشر في جريدة “الوطن” بتاريخ 22 فبراير، يرى في اعتقال لبنان لمجموعة من عناصر الجيش الأحمر طموحاً من لبنان لعلاقة أفضل مع الولايات المتحدة. كما أن موافقة سوريا على هذه المسألة تؤكد أن سوريا تطمح لعلاقة جديدة وهادئة مع النظام الدولي. وأن هذا الاعتقال ما هو سوى مؤشر للمستقبل، خاصة وأن مرحلة كاملة قد انتهت برموزها، وبدأت مرحلة جديدة بكل آفاقها وحضورها.
الدكتور شفيق الغبرا تحدث في مقاله هذا عن المصير الذي حل بثوار السبعينيات الذين احتضنتهم معسكرات التدريب الفلسطينية، ورحب بهم مناخ لبنان الحر واستشهد بأحدهم (أوكاموتو) الذي حارب ضد منفذي مجازر ومغتصبي حقوق، وذلك قبل أن يشيخ الآن ويشيخ جمهوره معه، بعد أن جف الماء من حول الأسماك الثورية.
قد نتفق مع الدكتور شفيق في تحليله هذا، وإن كنا نخالفه لهجة “التفاؤل” التي تميز بها حديثه في المقال المذكور. فقضية التحول نحو النظام الدولي الجديد هي بلا شك قضية مفتوحة لا يمكن أن تحسمها التحولات البسيطة التي نشهدها اليوم. بل وعلى العكس من ذلك تماماً، فلقد برزت في الآونة الأخيرة لهجة تحد يتوقع المراقبون أن تتزايد في حدتها. وهي لهجة موجهة للنظام العالمي الجديد، وللقائمين عليه، ولعل أبرزها قد جاء في الأحداث التي شهدتها “بيرو” من خلال حادثة السفارة اليابانية فيها.
هنالك ولا شك تحول سياسي ملحوظ يشهده العالم منذ بداية منتصف الثمانينيات، وهو تحول لصالح الديمقراطية في مجابهة الشمولية والسلطوية. والسؤال الذي أصبح عالقاً منذ ذلك الوقت يدور حول احتمالات الدوام لمثل ذلك التحول، وعن مقدرته في تعميق التيار الديمقراطي في العالم، وعن مدى جدية ونزاهة هذا النظام الدولي الجديد، وهل بالإمكان تصدير الديمقراطية؟!
وهي تساؤلات يثيرها بين الحين والآخر، الخطاب الأمريكي الذي يرى فيه العالم صورة جديدة من صور الهيمنة، وازدواجية المعايير. ففي أحد أحاديث الرئيس الأمريكي السابق “بوش” يتحدث فيقول “لعلكم تتساءلون عن دور أمريكا في العالم الجديد الذي وصفته، دعوني أؤكد لكم أن الولايات المتحدة لا تنوي النضال من أجل سلام يتحقق وفقاً للتصور الأمريكي، إلا أننا ننوي أن نبقى عاملين ولن نتقهقر وننسحب وننعزل. إننا سنقدم صداقة وقيادة ونسعى باختصار إلى سلام عالمي قائم على المسؤوليات والتطلعات المشتركة، انتهى.
ولعلَّ في خطاب الرئيس الأمريكي السابق رسالة مستترة، أدركتها دول الجنوب، وأدركت معها صورة الهيمنة المتدثرة بالرداء العالمي الجديد.
لا شك أن الخطاب السياسي للنظام العالمي الجديد قد جاء مخيباً لآمال الكثير. فلقد فشل في الصراع اليوغسلافي، وحرب البوسنة، كما عجز عن الخروج بصيغة عادلة للصراع في الشرق الأوسط، وأخفق في الصومال، وهاييتي، بالإضافة إلى التدهور الملحوظ في دور الأمم المتحدة تحت إدارة النظام العالمي الجديد، حيث عجزت هذه الهيئة الدولية عن الخروج ببرنامج شامل يعبر عن توازن عادل في مصالح الدول المشاركة في الأمم المتحدة.
هنالك نقطة مهمة أخذت تبرز في بحر النظام العالمي الجديد. وهي الحاجة إلى التأكيد على الهوية كما حدث في اليابان، حيث رفع أحد رجال الأعمال اليابانيين شعار يدعو إلى إعادة “آسيوة” اليابان، وتلك دعوة لأن تبحث اليابان عن مكان لها في النظام الجديد.
وهو أمر يعكس عدم ارتياح اليابان، وتشاؤم اليابانيين في نظرتهم للمستقبل.
لا شك أن العالم لا يزال يعاني ويعالج صدمة انهيار أحد قطبي التوازن في العالم فانهيار الاتحاد السوفيتي ليس انهياراً لقوة عظمى وحسب بل هو انهيار لفكر عالمي استطاع أن يخاطب ثقافات كثيرة، وانهيار ذلك الفكر يفتح الباب أمام تحديات أخرى، واجتهادات فلسفية جديدة. ولعل من السابق لأوانه أن تعلن ذلك انتصاراً للرأسمالية، في مواجهة الاشتراكية كمجموعة متكاملة من الأفكار والقيم. أو أن ندشن النظام العالمي الجديد كحل فريد ونهاية للتاريخ!!
