شئون دولية

سياسة الانفتاح بين يلتسين والسادات

سياسة الانفتاح بين “يلتسين” و”السادات”

لا نبالغ إطلاقاً إذا ما أطلقنا على انهيار الاتحاد السوفيتي.. الحدث الأهم.. والأكثر تأثيراً على العالم منذ إطلالة منتصف القرن الحالي.. وأهمية الحدث لا تكمن فقط في تجزئة إحدى القوى العظمى المسيطرة على العالم.. وتقسيمها إلى خمس عشرة جمهورية مستقلة.. وإنما تكمن أهمية الحدث في التنازل عن المفاهيم والأفكار الاشتراكية.. والنظرية الماركسية التي كانت حجر أساس في التغييرات والصراعات التي قامت في أغلب دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فالاتحاد السوفيتي لم يكن فقط قوة عظمى قادرة على خلق توازنات ميزت مرحلة ما بعد الحرب الثانية.. وقللت من فرص تفاقم الصراعات القومية وخاصة في أوروبا الشرقية. لم يكن ذلك هو الدور الوحيد الذي لعبه الاتحاد السوفيتي وحسب. بل لقد كان رائداً لأفكار ونظريات استطاعت ولفترة طويلة استقطاب ثقافات عديدة.. بحيث طرحت فكراً ونهجاً مغايراً.. إن لم نقل مناقضاً.. للنهج الرأسمالي السائد.
وإذا كانت عملية سقوط الاتحاد السوفيتي وتجزئته.. قد تمت بهدوء أثار الكثير من الاستغراب والتساؤلات، فإن تفاقم الأزمة بين الرئيس الروسي “يلتسين“.. والذي يصر على ممارسة حكم رئاسي مباشر.. وبين خصمه السياسي “حسبولاتوف” رئيس البرلمان الروسي.. الذي وصف “يلتسين” بالدكتاتور والسيد المطلق.. وطالب بإجراء تحقيق معه.. وتعليق صلاحياته.. وذلك لعدم احترامه للدستور.
إن تفاقم أزمة كهذه يؤكد على أن رماد الهدوء الذي بدأ به الانهيار.. يخفي تحته الكثير من النيران المشتعلة.
لعلّ أكبر ما يواجهه الرئيسي الروسي “يلتسين” الآن.. هو الانتقاد الشديد الموجه إلى برنامجه الإصلاحي الاقتصادي المنفتح.. والذي أدت خطواته اللاهثة، إلى شبه مجاعة في روسيا، وبحيث اختفت السلع من الأسواق.. وتضاعفت الأسعار.. وزادت نسبة الجريمة – والتي هي نتاج للبطالة – إلى حد كبير. وسياسة الانفتاح تلك تطلبت تغييرات شاملة على خط الإنتاج وتحويل الصناعات العسكرية إلى الإنتاج المدني.. والذي لم يستطع أن يحقق العائدات التي كانت تحققها الصناعات العسكرية.. وبحيث بلغت الخسائر وبحسب التقارير الروسية إلى مئات الملايين من الدولارات.
وسياسة الانفتاح التي ينتهجها الرئيس “يلتسين” تذكرنا وبشكل كبير.. بسياسة الانفتاح التي اتبعها الرئيس المصري السابق “أنور السادات”.. والتي لا تزال جمهورية مصر العربية.. وبحسب الدراسات القائمة.. تعاني منها.. وذلك للسرعة التي تم بها تطبيق تلك السياسة.. إضافة لافتقادها للدراسات المطلوبة قبل التحول الكبير الذي شهدته “مصر” في مطلع السبعينيات والذي كان من نتائجه التضخم الذي تعاني منه البلاد الآن.. وتضاعف الأسعار وازدياد البطالة وانتشار الفقر.
وبما أننا لا نستطيع أن نتحدث عن العوامل الاقتصادية التي تتحكم في بلد ما.. دون الإشارة إلى تأثيرها على الجوانب السياسية، فقد لمسنا جميعاً أثر الانفتاح المصري في سياسة مصر الخارجية بصورة عامة.. بدءاً بتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.. وانتهاء بأحداث حرب الخليج الثانية، فلقد أشار الرئيس المصري الحالي “حسني مبارك” أثناء لقاء له مع أساتذة الاقتصاد في الأسكندرية.. وذلك في أعقاب انتهاء حرب الخليج.. أشار إلى الظروف التي تحكم سياسته الاقتصادية.. وخاصة ما يتعلق منها بديون “البنك الدولي”. وحيث أشار الرئيس “مبارك” في إجابته على استفسارات بعض الاقتصاديين حول مخاطر الانفتاح.. والإرهاق الاقتصادي الذي يواجهه المواطن المصري من جراء ذلك.. أشار إلى أن “الفرصة” التي وفرتها ظروف حرب الخليج لمصر.. لا يمكن إغفالها.. وأن الدور المصري إبان أحداث الخليج.. قد دفع بأمريكا والغرب إلى الضغط على “البنك الدولي” للموافقة على كل (مطالب) مصر.
فإذا كانت سياسة الانفتاح الاقتصادي المصري على الغرب وأمريكا.. قد أثرت في مجريات الأمور في هذه الرقعة من العالم.. فكيف ستكون سياسة الانفتاح الروسي على الغرب.. والتي كان من شأنها تبني روسيا لقرارات الأمم المتحدة بفرض عقوبات على العراق وليبيا ويوغسلافيا.. مما أدى إلى التوقف عن تصدير الأسلحة لهذه البلدان.. وبحيث كانت الخسائر الناجمة مباشرة من إيقاف تنفيذ العقود مع هذه البلدان الثلاث تبلغ مئات الملايين من الدولارات!!!
لقد خلف انهيار الاتحاد السوفيتي.. واقعاً سياسياً شائكاً.. ما زال في طور الغليان.. وإذا كان الصراع على السلطة القائم الآن في روسيا.. قد رفع الستار نوعاً ما عن بعض تلك المشاكل المرشحة للانفجار.. فإن الوضع في باقي الجمهوريات ما زال يخفي الكثير من المشاكل المستقبلية.. خاصة إذا ما أدركنا أن “روسيا” وإن لم تعد “الدولة العظمى” في مقابل أمريكا.. فإنها لا تزال وبحسب إمكاناتها “دولة عظمى” لما تملك من مساحات شاسعة.. وسكان يقارب تعدادهم 147 مليون نسمة.. إضافة إلى مقعدها الدائم في مجلس الأمن.. وحق النقض “الفيتو” الذي ورثته عن الاتحاد السوفيتي.. وترسانتها النووية التي تستطيع تدمير الكرة الأرضية مئات المرات. ويزيد من كل ذلك عودة النشاط للحزب الشيوعي الروسي.. والذي يقدر عدد أعضائه بنصف مليون عضو.. يقدر المحللون السياسيون تزايدهم مع ازدياد التدهور الاقتصادي في روسيا.. وازدياد التبعية للغرب.. والذي كان موقفه واضحاً في مؤازرته للرئيس الروسي “يلتسين” في صراع السلطة القائم، ويزيد من حدة الوضع عجز الكثير من المواطنين الروس عن استيعاب الوضع القائم.. بل واستياء أكثرهم من من تبعية روسيا للغرب.. وكما جاء في قول “فلاديمير سنكو” عند زيارته لبغداد “إن بلادي أيضاً واقعة تحت الاحتلال الأمريكي.. مع فارق بسيط.. هو أن الأمريكيين لم يقصفونا بعد!!”.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى