شئون دولية

الكيماوي الأمريكي

الكيماوي الأمريكي

واضح جداً أن استخدام الأسد للسلاح الكيماوي أحرج الولايات المتحدة، بشكل جعلها تبدو أكثر صرامة في التعامل معه.
أقول “جعلها تبدو”، لأنها في الحقيقة لم تتعامل إطلاقاً بصرامة وجدية مع نظام الأسد منذ انطلاقة الثورة السورية، الأسباب في ذلك بعيدة في التاريخ ومعقدة ومتشعبة أكثر مما يحتمله حجم هذا المقال للسرد.
لكن “غضب” الولايات المتحدة من الأسد ونظامه أخيراً كان هزلياً ومضحكاً، فالغضب الأمريكي الذي جاء على استحياء، بسبب استخدام الأسد للكيماوي، يجيء متناقضاً مع حالات مشابهة تم فيها استخدام الكيماوي في الحروب، والمضحك المبكي هنا أنه تم بمباركة أمريكية.
أخيراً، كشفت مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية عن وثائق مسرَّبة من وكالة الاستخبارات الأمريكية، تؤكد فيها دعم ومساندة أمريكا ل صدام حسين أثناء حربه مع إيران، بما في ذلك السماح له بضرب المواقع والمدن الإيرانية بالسلاح الكيماوي، وذلك أثناء حربه مع إيران.
أمريكا التي تعبّر عن غضبها الشديد الآن من استخدام بشار الأسد للكيماوي، كانت تعلم وتبارك استخدام صدام حسين لغاز الخردل وغاز السارين المدمر للأعصاب والمميت، وكانت تدرك جيداً أن جيش صدام سيهاجم المواقع الإيرانية والقوات التي كانت تتقدَّم بالأسلحة الكيماوية، فضلاً بالطبع هنا عن جريمة حلبجة المروعة.
مجلة “فورن بوليسي”، التي عبَّرت عن دهشتها لاحتمال قيام أمريكا بعمل عسكري في سوريا، بسبب الهجوم الكيماوي، تؤكد في تقريرها هذا أن الولايات المتحدة كانت تعلم مسبقاً بنوايا صدام حسين، وذلك من خلال صور الأقمار الصناعية، لكنها صرَّحت للعراق باستخدام الكيماوي، وذلك بهدف إمالة الحرب لصالح العراق، والضغط على إيران ودفعها إلى طاولة المفاوضات.
مسلسل التدخل الأمريكي في شؤون الدول يحوي العديد من التناقضات، التي قد تبدو لنا نحن العامة غريبة ومبهمة وغير مفهومة، لكنها قطعاً ليست كذلك، ففي كل مرة تتدخل الولايات المتحدة، عسكرياً أو سياسياً، يكون هناك هدف مختلف، وليس بالضرورة أن يكون متطابقاً مع حالات سابقة قد تكون مشابهة في تفاصيلها.
يرى بعض الخبراء أن التدخل الأمريكي اليوم في سوريا يتشابه إلى حد كبير مع تدخلها السابق في “كوسوفو”، وإن كانت هناك شكوك حول احتمال نهاية موفقة في سوريا، كالتي حدثت في كوسوفو، حين أُجبرت قوات ميلوسوفيتش على الانسحاب وتثبيت قوى حماية دولية.
مشكلة أمريكا في الحالة السورية، أنها محاصرة بحقول ألغام قد تصل آثارها إلى مواقع ليست في الحسبة، ولا الحسبان الأمريكي، عندها سيتحوَّل مشروع الحل الأمريكي إلى كارثة عالمية.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى