شئون دولية

تركيا.. بين أتاتورك.. ومروة!!

تركيا.. بين أتاتورك.. ومروة!!

نشرت جريدة “القبس” في عددها الصادر بتاريخ 4/6/1999 مقالة للسفير التركي في الكويت، السيد أحمت أرتاي استعرض فيها بعض الآراء التي طرحها كتاب كويتيين بشأن النائبة مروة قاوقجي، مبيناً وجهة النظر الرسمية تجاه ما أثارته قضية النائبة من جدل وخلاف.
ولعلَّ أكثر ما أثار استياء السفير التركي هو اتهام البعض لمجلس الشعب التركي بالتنكر للإسلام ومحاربته، حيث يجيب أن النظام العلماني في تركيا لا يسعى إلى تدمير الإسلام، وإنما إلى المحافظة عليه، وإبعاده عن حلبة الجدل السياسي والنقاشي اليومي! فالنظام العلماني في تركيا لم يمنع إنشاء جوامع، ولا يمنع الناس من الذهاب إلى صلاة الجمعة، ولا تتدخل الدولة في ملبس الناس أثناء حياتهم الخاصة، ولا تمنعهم من الحج أو الصوم!! لكن للديمقراطية التركية خصوصيتها، كما يقول السفير، والتي تستند للتقييم الماضي، والتكوين الاجتماعي للدولة، التي تشعر بأنها لها الحق في أن تحمي نفسها من التطرف الديني، خاصة أن لتركيا تجارب مرة مع التطرف.. لعلَّ الخصوصية الأهم في ما يتعلق بتركيا، هي في موقعها الجغرافي والسياسي، الذي جعلها تحتضن خليطاً من المزاج الشرقي والغربي، خاصة في ما يتعلق بنظامها السياسي بشكل عام، فتركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي نجحت وإلى حد كبير في تطبيق النموذج الغربي من فصل الدين عن الدولة، ويعود تاريخ تلك التجربة إلى عام 1923 حين شكل يومها كمال أتاتورك الحزب الجمهوري الشعبي الذي انبثق عن “تنظيمات الدفاع عن الحقوق” التي كونها الشبان الأتراك في عام 1918، ومع قيام الجمهورية في 1923 حدثت تحولات هامة في النظام القضائي نحو مزيد من العلمانية، حيث تم النقل عن بعض القوانين الغربية لتنظيم نظام القضاء والمحاكم في تركيا لتتلاءم مع ما يفرضه العصر الحديث من تحولات وتغيرات.
وبالطبع فقد انعكس ذلك التحول على نواح سياسية وإدارية أخرى، بدت واضحة في علاقة السلطات ومهامها، وفي النظام الانتخابي الذي سمح للنساء في عام 1934 بالتصويت في الانتخابات، ودخلت ثماني عشرة نائبة إلى البرلمان. قد نتفق مع الذين دافعوا عن حق مروة قاوقجي في ارتداء ما تشاء من زي لو أن حجابها كان من منطلق خيار شخصي بحت وقناعة ذاتية مجردة، لكن الأمر ليس كذلك. فلقد أصبح الحجاب والنقاب والهيئة الخارجية في زمننا هذا عنواناً وإشهاراً لانتماء فكري وحزبي لا علاقة له بالدين ولا بالشريعة.
وبما أن هنالك قوانين تحكم وتنظم تكوين الأحزاب في تركيا، أهمها أن يستوفي الحزب شرطين أساسيين هما: الالتزام الأيديولوجي بمبادئ ثورة 1960 وكذلك إصلاحات أتاتورك، فإننا نستطيع إذاً أن نفهم طبيعة وسبب الموقف ضد رداء ولباس النائبة مروة قاوقجي.
تأتي مشكلة الأصولية كأبرز المشاكل التي تجابهها تركيا اليوم، فالنظام السياسي والدستوري منذ عهد أتاتورك يقوم على الفصل بين الدين والسياسة. في حين أن التيار الأصولي يعبر عن حركة اجتماعية وسياسية، قد تُربك ذلك التوازن السياسي في تركيا وتطيح به في دائرة التطرف والعنف والإرهاب التي شهدتها كل التحولات السياسية نحو دول دينية أصولية.
وتزداد خطورة مثل هذا التحول إذا ما أدركنا أن الجماعات الإثنية والدينية قي تركيا تشكل 20 في المائة من إجمالي السكان، وأهم تلك الجماعات الأكراد، والعرب، والسلافيون والبلغاريون، واليونانيون، والأرمن، واليهود، والجريجوريون، هذا بالإضافة إلى أن هنالك شيعة وسنة وعلويين وقدراً ملحوظاً من التوتر الشيعي – السني في تركيا والذي أدى إلى إعلان قانون الطوارئ في بعض الأقاليم الشرقية حتى 1986.
إذاً، وفي ظل تقسيمات عرقية وإثنية كهذه، وموقع جغرافي حرج وشائك، يصبح من حق تركيا كدولة أن تحصن نفسها ضد أي مخاطر خارجية، والتي يأتي على رأسها خطر المد الأصولي، خاصة في ظل ما نراه من تجارب مؤسفة استخدمت الدين والشريعة لتطلق أهدافاً سياسية واقتصادية أخرى، ويكفي أن نذكر هنا أن جماعة الإسلام السياسي في تركيا قد استطاعت وبفضل العلمانية التركية ومن خلال الدستورية العلمانية أن تعيد تدريس اللغة العربية والدين والصلاة في المدارس، كما أصدر البرلمان (العلماني) في عام 1990 قانوناً يسمح للطالبات بارتداء الحجاب، وكذلك بإقرار “ضريبة المساجد” والتي تقضي بدفع البنوك وشركات التأمين ضريبة مقدارها 2 في المائة من أرباحها السنوية لتخصص في الإنفاق على المساجد والأماكن الدينية، وكل ذلك ما كان ليتحقق لولا مرونة العلمانية السياسية، والتي لا يجب أن تطيح بها طموحات سياسية متدثرة بحجاب.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى