
تابع الجميع التداعيات الخطرة لصراع السلطة في “قطر“.. والتي كانت قد بدأت في شهر “يونيو” من العام المنصرم.. بعد أن تولى الشيخ “حمد بن خليفة آل ثاني” زمام السلطة مكان والده والذي كان خارج البلاد حينها!!
لا شك أن تداعيات المسألة القطرية قد باتت تشكل تحدياً لمجلس التعاون الخليجي.. والذي أصبح الجميع يترقبون دوره في احتواء القضية القطرية.. خاصة بعد التأييد شبه الرسمي لأمير قطر السابق.. والذي أبدته دول الخليج منفردة.. وبعيداً عن خيمة مجلس التعاون الخليجي!!
التكهنات التي انطلقت متنبئة بالأسلوب الذي سيتم به احتواء صراع السلطة في قطر.. لم تخل في بدايتها من الإشارة إلى احتمال ضلوع الطرف الأمريكي في القضية.. وما يعنيه ذلك من أن الرؤية الأمريكية ستحسم الخلاف لصالح الطرف الأكثر قبولاً لشروط “واشنطن“!! وعلى الرغم من استبعاد احتمال كهذا.. إلا أن ذلك لا يلغي أهمية شرط التكامل والتنسيق مع المصالح الغربية.. عند اقتراح أي مشروع لحسم الخلاف هنا!!
غير أن الشروط الأكثر حساسية هنا.. هي ما تتعلق بوجوب الحفاظ على مكانة وشرعية مجلس التعاون الخليجي!! وذلك من خلال الخروج بحل للقضية القطرية من تحت قبة المؤتمر الخليجي.. درءاً للشبهات التي أصبحت تحوم حول أقطاب خليجية يصب النزاع الداخلي القطري في مصالحها مباشرة!
مصداقية مجلس التعاون هي الأهم هنا.. خاصة بعد الفشل الذريع في احتواء أحداث “البحرين” في العام الماضي!! والتي ضاعفت من شكوك المواطن الخليجي في صلاحيات وقدرات المجلس!! وإن كان الوضع القطري.. مختلفاً تماماً عن أحداث “البحرين”، والتي استطاع مجلس التعاون أن (يتنصل) من مسؤوليته تجاه تلك الأحداث.. لكونها (شأناً داخلياً بحتاً).. بينما هي قضية خليجية في حالة “قطر”.. حيث تأتي لكونها انشقاقاً عن السياق السياسي والاقتصادي الخليجي.. سواء من حيث سياسة التعاون القطري مع إسرائيل.. أو من خلال رفض (الحجيلان) أميناً عاماً للمجلس!!
التفاعل الخليحي مع صراع السلطة في قطر.. جاء متفقاً ولا شك مع حالة القلق التي أثارها هذا النمط غير المعهود للتغيير في السلطة!! خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار التشابه الكبير في أنظمة الحكم القائمة في دول الخليج بوجه عام!! وإحساس القلق الذي أثارته تداعيات الأحداث في قطر منذ بدايتها في “يونيو” الماضي يعود إلى كونه حدثاً داخلياً.. أحدث شرخاً بإمكانه أن يخلق طرفي استقطاب متباينين في المجتمع القطري.. على خلاف الأزمة في البحرين.. والتي استطاع فيها الجسم السياسي أن يبقى متماسكاً في وجه الشعب خلال انتفاضته البرلمانية!!
لا شك أن تشابه الأنظمة الحاكمة في دول الخليج.. يفرض كذلك تشابهاً في انتقال السلطة داخل تلك الأنظمة!! والتي ظلت تتمتع باستقلال داخلي معقول حتى في أثناء سيادة الإمبراطورية العثمانية.. حين كان الباب العالي يحدد نمط الخلافة في أحيان كثيرة!! إلا أن معظم مناطق الجزيرة العربية قد ظلت تحت سيطرة حكام محليين.. كان لهم قدر كبير من الاستقلال.. وشكلوا جذوراً للأسر الحاكمة الحالية في منطقة الجزيرة العربية بوجه عام!! حيث كانت السلطة تنتقل من أخ إلى أخ.. أو من فرع في الأسرة إلى فرع آخر!! وإن كان ذلك النظام لم يخل من خصومات وصراع كان يحاصر.. ويحسم داخلياً وفي إطار الأسرة!! وقد كان من شأن ذلك الأسلوب المتعارف والمتفق عليه في الانتقال بالسلطة، أن كانت أنماط التغيير سلمية في أغلبها.. إما بالوفاة الطبيعية أو بالتنازل الطوعي!! تخللتها حالات فردية للانتقال اتسمت أحياناً بالعنف!! وفي حالة “قطر” مثلاً.. نجد أن نمط الخلافة قد كان سلمياً.. وإثر وفاة طبيعية.. منذ “محمد آل ثاني” مؤسس الأسرة في العام 1850!! إلى أن أتى الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني حاكم قطر السابق ليعزل وبالقوة الشيخ “أحمد بن علي” وذلك في العام 1972!! وعلى الرغم من أن الوراثة في “قطر” تعتبر شبه مفتوحة.. حيث هي حق لأي فرد من أفراد الأسرة.. إلا أن الشيخ “خليفة بن حمد” بادر في العام 1977 إلى تحديد خط وراثي واضح ومحدد.. وذلك من خلال إصداره مرسوماً في مايو من العام نفسه.. يقضي بتعيين ابنه الأكبر “الشيخ حمد بن خليفة” ولياً للعهد!!
الجديد إذن في أحداث قطر.. ليس الخلاف بحد ذاته، وإنما هو الأسلوب الذي تم من خلاله الإعلان عن الخلاف.. والخروج بالخلاف الأسري الداخلي إلى العلن!! وهو ما لم يكن مألوفاً لدى الأنظمة الخليجية، بوجه عام.. ولقد شهدناه نحن في هذا الوطن.. إبان الإعلان عن الخلاف الأسري بين رئيس الوزراء ونائبه مؤخراً!! والذي ظل خاضعاً لتفسير وتكهنات الشائعة.. وتأويل وبحث الديوانيات قبل أن يخرج إلى الملأ!!
هي إذن ثورات القصور بدأت في الخروج إلى العلن!! وأكثر ما تتسم به “ثورة القصر” هو عنصر المفاجأة والبغتة.. حيث إنها لا تصل إلى متناول العامة إلا إذا ضاقت بها دهاليز القصر!!
الطليعة 1996/1/10




