
لا شك أن التوقيت الزمني لذكرى قيام مجلس التعاون الخليجي، مع اللقاء الذي أجراه الوفد الإعلامي الكويتي مع أمير دولة قطر، ليس بالضرورة أن يكون توقيتاً مقصوداً، وإن كان اللقاء قد حوى في إطاره الكثير من الدلالات والمؤشرات التي تفسر سبب إخفاق مجلس التعاون الخليجي وعلى مدى سبعة عشر عاماً في تحقيق أدنى قدر من ميثاقه المدون والمكتوب في إعلانه!!
فالأمير القطري أشار في لقائه وبإسهاب إلى الخلافات الحدودية مع البحرين التي ترجع إلى نحو 60 عاماً والمطروحة أمام محكمة العدل الدولية التي عليها أن تقرر إن كانت جزر “حوار” تعود ملكيتها إلى قطر أو إلى البحرين!! وهي خلافات لا شك قد أزّمت العلاقة بين البلدين، خاصة في ظل الاتهام الذي وجهته البحرين مؤخراً، واتهمت فيه قطر بأنها قدمت وثائق مزورة إلى محكمة العدل الدولية تحوي أختاماً لا علاقة لها بالتاريخ المكتوب في تلك الوثائق!!
لا جدال في أن النزاعات الحدودية بالتحديد هي من أكثر معوقات التعاون الخليجي!! وهي نزاعات لا شك في أنها تعكس حالة الخوف التي تكنّها دول الخليج بعضها لبعض، والتي دفعت بتلك الدول لأن تنشد العون والمساندة من خارج دول المنظومة التعاونية، كالمحاولات القطرية المستمرة لربط مصيرها ومستقبلها بعلاقاتها مع إيران مؤكدة بذلك استعدادها للتخلي عن مشاريع التعاون الخليجي العربي، والاستقواء بإيران في صراعاتها الإقليمية سواء مع البحرين أو مع المملكة العربية السعودية!! وهو أمر كان واضحاً من خلال اتفاقيات وقعتها قطر مع إيران كاتفاقية مد أنابيب المياه مع إيران إلى قطر في مشروع بتكلفة تبلغ 12 مليار دولار!!
إذاً هاجس الخوف من احتمالات سيطرة الأطراف الأقوى في المنظومة الخليجية، هو الذي يدفع بقطر أو بغيرها إلى الإصرار والتشبث بتلك النزاعات الحدودية، لتبرير محاولات الامتداد خارج إطار المجلس التعاوني الخليجي!! وهو ما يرشح لتلك النزاعات بقاء أطول، ولكونها تهدف إلى أغراض أخرى أبعد من مجرد نزاع حدودي!! مما أصبح يؤثر في مصداقية الأطراف في دعواتها المستمرة للتدخل الدولي أو الإقليمي لحسم الاختلاف والجدل الحدودي!! ولم يجد في ذلك محاولات مجلس التعاون من خلال معاهدات واتفاقيات كانت تسعى لأن يكون في اعتماد مبدأ المساواة القانونية بين الأعضاء مدخل للقضاء على مخاوف الدول الصغيرة من الابتلاع والتهميش!!
ومثلما عجز المجلس عن أن ينجز شيئاً بذلك الصدد، أي بما يتعلق بالنزاعات والمخاوف بين أعضائه، فقد أخفق كذلك في أن يحقق إنجازاً على مستوى التعاون الإعلامي، الذي نص اتفاق المجلس على أن يُستثمر لوحدة الصف الخليجي بما يخدم أهداف المجلس وينقل الصورة الحقيقية عن دوله بشكل إيجابي!! وأن يكون هنالك توجه موحد تجاه أجهزة الإعلام الخارجية والتعاون معها بشكل إيجابي!! وهو بالتحديد ما ينقضه الإعلام القطري من خلال النهج الذي تتبعه قناة الجزيرة القطرية!!
في لقائه مع وزير الإعلام الكويتي، والوفد المرافق له، أكد أمير قطر إصراره على التمسك بالانفتاح الإعلامي، على الرغم مما يسببه ذلك من مشاكل يومية، إلا أنه شدد على أنه “نهج لا رجعة عنه”!! موضحاً أن دولة قطر سوف تصل في بداية القرن المقبل إلى الحالة التي وصلت إليها دولة الكويت.
وذلك بلا شك يعتبر إشادة بالنهج المعتمد في السياسة والتعاملات الكويتية!! وإن كنا نشك في أن تكون البداية نحو تطبيق الأسلوب الكويتي في الحرية والديمقراطية بهذه الصورة!!
فالنهج الديمقراطي لا يأتي بقرار سياسي، كما أن الحرية لا تأتي بناء على رغبة أميرية!! بل كلاهما يأتيان كنتاج طبيعي وحتمي لتراكمات عديدة من الممارسات الحرة، والقناعات الديمقراطية، قبل أن يتبلور ذلك التراث والتاريخ ويخرج كواقع سياسي ممارس ونهج حر متمرس وناضج!! وهو قطعاً ما أخفقت في أدائه وبثه قناة “الجزيرة” القطرية!! ليس بسبب هجومها الشرس والمتواصل على الكويت، وإنما لافتقادها الموضوعية التي هي حجر الأساس في أي إسهام ناضج يهدف إلى تفعيل الحس الديمقراطي، والنهج والتفكير الحر!!
فإذا كانت دولة قطر، تهدف من وراء إعلام كإعلام قناة الجزيرة إلى أن تحقق إنجازاً ديمقراطياً، وسلوكاً حراً كالذي تمارسه الإرادة الشعبية والسياسية الحرة في الكويت!! وإن كانت أكدت من خلالها على بند آخر من بنود مسلسل الإخفاقات التعاونية الخليجية!! والتي بسببها بقي التعاون الخليجي حلماً!! تماماً كما هي الرغبة القطرية في الحرية والديمقراطية والانفتاح الإعلامي!!
الطليعة 1998/6/3




