الفن.. مصدر الجمال

الفن.. مصدر الجمال
احتل جمع غفير من المواطنين والمقيمين ساحة التزلج في الأسبوع الماضي لمتابعة غناء وأداء الفنانة ماجدة الرومي، وهي تشدو مشاركة أهل الوطن فرحتهم بأعيادهم.
ولم يخف على أحد من المتابعين للحفل، ذلك التلهف للفرح، والذي عبرت عنه الحناجر والأيادي المصفقة طرباً ونشوى للفن وللأداء الجيد المتميز.
وعلى الرغم من أن ماجدة الرومي قد أنشدت فأطربت إلا أنها أيضاً قد أثارت بحفلها هذا قضايا أخرى قد لا تكون على علاقة مباشرة بالفن والغناء.
فلقد كان هنالك حضور متميز وواضح لمقدرة المرأة الكويتية في التنظيم والإعداد والذي أحسه الجميع من خلال الجهد المتميز والذكي لراعيات الحفل وإدارياته بقيادة مايسترو المشروعات السياحية نبيلة العنجري والتي تستحق منا جميعاً وقفة ثناء وتقدير على جهدها في تنظيم الحفل وإدارته، خاصة في ظل مشاريع البعض بوجوب إلغاء الفرح، وحجب الابتسامة والطرب.
إن الفن، سواء أكان غناء أم رقصاً أم رسماً أم تصويراً، ما هو إلا تعبير عن درجة الانسجام بين الروح والجسد، وكلما استطاع الفرد أن يعبر عن إحساسه بالحياة وبالوجود عن طريق الفن، كلما انعكس ذلك على شخصه، وعلى أسلوب تعامله مع الآخرين من حوله.
وقد لا يكون البشر وحدهم الذين هم بحاجة للتعبير الروحاني عن سعادتهم وانسجامهم الجسدي في محيطهم فالطيور تغرد تعبيراً عن غبطتها وفرحها، كما أنها ترقص جماعات مشكلة لوحات فنية جميلة كجزء من استمتاعها بالوجود وبخلقه.
الفن، هو لا شك أداة راقية لتسجيل التاريخ وأحداثه، والأمثلة حول ذلك هي أكثر من أن تحصى. ولا نعني هنا بالفن، العمارة والرسم والنحت وحسب، بل الغناء والرقص والموسيقى كذلك. فكلها أدوات لتحديد هوية، وإثبات وجود ولتمييز مرحلة دون أخرى، من خلال تسجيل وقائعها لحناً وغناءً.
كمْ كان بودنا لو أن أحداً ممن يملك قراراً أو قولاً في مشاريع التزمت حول منع الفرح والغناء، كان حاضراً في حفل ماجدة الرومي، ليضع حداً لتلك الانفعالات التي يتصنعها البعض، بتهديدهم وتحذيرهم من مغبة الانحلال الخلقي التي قد يسببها الاستمرار في إحياء حفلات غنائية مشابهة.
إن الإسفاف والانحلال لا يشترطان غناء ورقصاً، فقد يكون الفرد منحلاً وهو يتحدث عن الأخلاق ومنابعها. والانحلال الأخلاقي الذي يتحجج به دعاة منع الغناء والاحتفال، لا يعود في أساسه إلى الطرب والغناء، بل إن مسبباته تعود إلى حالة الانفصام بين الروح والجسد والتي يعاني منها هؤلاء المحتجون.
هنالك إذاً، هم آخر من وراء الهجوم والتهديد اللذين يدعيهما البعض، تجاه الغناء والاحتفال، هم ليس لدعوى الأخلاق وصونها مكان فيه. فمن المؤكد أن الإعلان عن التصدي للغناء وأهله، أسهل بكثير من التصدي للفساد الإداري وللسرقات جهراً. والوقوف في وجه منظمي الحفلات، أيسر من الوقوف في وجه سارقي المال العام.
ولعلّ من حسن الحظ.. أن أمراً كذلك ومقصداً بهذه الصورة ليس بأمر خاف عن المواطن.
ومن هنا، فإن الدعوة ستبقى مفتوحة لمؤسسات الفرح والغناء، ولرواد الانسجام الروحي والجسدي، للمضي في إقامة حفلاتهم. وليكن دورهم هنا الارتقاء بذوق المواطن، من خلال الحرص على استضافة المزيد من الفن الراقي والمتميز. وسواء كانت المشروعات السياحية أم مؤسسات أخرى فإن أمام هؤلاء مهمة أخلاقية ووطنية تتمثل في إعادة الانسجام والتوازن لشخصية الفرد في هذا الوطن، بعد أن أرهقها هم الحرب، وطول الانقطاع عن أحد منابع الجمال. فالفن والغناء محاولة للوصول إلى الجمال. والذي بدونه لا يتحقق الانسجام، ولا يولد الفرد المتزن المتكامل!!

