ستار أكاديمي والاقتصاد الجديد

ستار أكاديمي والاقتصاد الجديد
بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع حفل “ستار أكاديمي” الذي أقيم أخيراً في الكويت، فإن أحداً لم يستطع أن ينكر نجاح البرنامج في استقطاب الآلاف من المشاهدين والحضور، والسؤال الذي لم يطرحه أحد ولم يحاول أي منا أن يجعل منه محوراً للنقاش هو: لماذا وكيف استطاع هؤلاء الفتية والفتيات الصغار أن يحدثوا هذا التغيير الهائل في التذوق الفني الجماهيري، وهذه الضجة التي توشك أن تخلق تصادمات سياسية اعتدنا أن يخلقها التعارض الفكري والعقائدي وليس الغنائي؟
إن ما كتب حول “ستار أكاديمي” وعن هؤلاء الفتية والفتيات الصغار الذين لا يمكن وصفهم بأنهم يتمتعون بمواهب فنية خارقة ومتميزة، وإنما هم شباب عرب عاديون يملكون أصواتاً معقولة ولا يمكن أن تكون وراء ما حققوه من شهرة وضجة، لكنهم قد يحتاجون إلى أضعاف أعمارهم الفتية لكي يتمكنوا من قراءة كل ما كتب وقيل عنهم!
في كتاب صدر حديثاً للكاتب الصحافي “تشارلز ليدبينز” بعنوان Living on Thin air، ومعنى Thin air هنا اللا شيء أو اللا محسوس، يتحدث الكاتب عن نسخة جديدة لاقتصاد القرن الحادي والعشرين، حيث تحولت السلعة من مادة محسوسة كالسيارة مثلاً، إلى مادة غير محسوسة، كالأفكار والخدمات والتصميمات، وكيف أصبح المستهلك شريكاً في تلك الصناعة! يركز الكاتب على هذا التحول الكبير في العلاقة بين المنتج أو صاحب السلعة والمستهلك الذي أصبح شريكاً مباشراً، ولتقريب الفكرة للقارئ ما عليه إلا أن يتخيل كيف كان بإمكان “بيل غيتس” مثلاً أن يروج برنامجه الشهير Windows، ويجني من ورائه الملايين لو لم “يشارك” المستهلكون في ذلك من خلال استخدامهم للبرنامج، وبالتالي خلق الحاجة إليه! لذا فإن الكاتب هنا يرى ضرورة تطوير مؤسساتنا وتحديثها لتتلاءم مع شكل الاقتصاد الجديد وحركته!
تلفزيون الواقع الذي قدمته قناة الـ L.b.c من خلال برامج كان أحدها “ستار أكاديمي” هو صورة من هذا الاقتصاد الجديد! لقد طرحت قناة L.b.c سلعة مادتها الرئيسية غير محسوسة، وإنما مستترة في العقل من ابتكار وصناعة، واستطاعت أن تتحسس نبض وميول الشارع العربي الذي حطمته الهزائم السياسية والاخفاقات المتكررة، وسنوات طويلة من الملل والروتين السياسي، واستطاعت كقناة فضائية عربية أن تقفز إلى هذا الفراغ الذي أحدثته جملة من الإخفاقات، خاصة على مستوى الشباب، وأن تعلن نفسها كأول المروجين للاقتصاد الجديد في العالم العربي!
إن القضية كما يجب أن ينظر إليها ليست قضية “ستار أكاديمي”، ولا هي قضية فن رخيص أو فجور أو خروج عن تعاليم الدين الإسلامي والعادات والتقاليد، وإنما هي قضية صورة جديدة من الإعلام الذي يدر الملايين، وفكرة جديدة لتشغيل عشرات شركات الهواتف في كل أنحاء العالم العربي، مع ما تدره هذه “الشراكة” بين تلفزيون الواقع وشركات الهواتف من أموال طائلة وخيالية!
إنها قضية صناعة جديدة، وفكر اقتصادي حديث، وتنافس شرس لاستقطاب المستهلك، والفوز فيه بالتأكيد للذي يستطيع أن يستقطب أكبر عدد من المستهلكين والمساهمين، شأنه في ذلك شأن كل تنافس تجاري أو اقتصادي! وللأمانة نقول هنا إن محطة L.b.c قد نجحت نجاحاً منقطع النظير في استقطاب أكبر عدد من الجماهير العربية يفوق بكثير كل الشعارات وكل الأحزاب السياسية عبر عالمنا العربي!
“ستار أكاديمي” إذاً هو بداية دخول العالم العربي ساحة الاقتصاد الجديد الذي يطرح معادلة اقتصادية جديدة يكون فيها المستهلك شريكاً مباشراً مع صاحب السلعة أو المنتج، ومحاربته لا تكون إلا بطرح سلعة جديدة توفر استقطاباً جماهيرياً يفوق ما حصله برنامج “ستار أكاديمي”.
