مشروع القراءة

مشروع القراءة
تبث إحدى القنوات الفضائية العربية بين الحين والآخر إعلاناً يروج للقراءة، ويظهر الإعلان مجموعة من الشخصيات المشهورة في عالم الفن والثقافة والمال، تحث الناس على القراءة والاطلاع!
مشروع التشجيع والدعوة إلى القراءة هو بلاشك مشروع جميل ومفيد وضروري، فالقراءة لب المعرفة، والشعوب التي لا تقرأ هي غالباً ما تكون شعوباً مضطهدة وجاهلة، لأن القراءة تعزز مدارك الفرد لطبيعة حقوقه وواجباته. لكن مشروعاً كهذا يأتي، وبلا شك، شاذاً في بلد يفترسه الفقر وتنهشه الأمراض، وبالتالي فإن الدعوة إلى القراءة هنا تكون كدعوة ماري أنطوانيت جياع فرنسا إلى أكل الكيك طالما هم لم يجدوا الخبز!
يحدثني أحد مواطني الدولة صاحبة مشروع القراءة للجميع بقوله إن هنالك أربعة آلاف وخمسمئة قرية في بلده لا تصلها المياه، ناهيك عن حجم البطالة، والبطالة المقنعة التي دفعت بالعديد من مواطني تلك الدولة إلى الهجرة بحثاً عن لقمة العيش!
تأتي القراءة بلاشك كنتاج مباشر لنظام تعليمي ناضج ومثمر، فثقافة القراءة هي ثقافة مكتسبة، تنميها مناهج تعليمية محفزة، وأسلوب تعليمي مشجع، وقيادات تربوية وتعليمية تدرك أولويات التعليم وتعمل على تنمية ملكات القراءة والبحث لدى الأفراد منذ مراحل التأسيس الأولى.
في الغرب، يقرأ الناس بشراهة بكل فئاتهم العمرية، ويكاد لا يخلو باص أو قطار أو محطة انتظار من عدة أشخاص منهمكين في القراءة، ومع ذلك فنحن لم نسمع عن مشروع لترويج القراءة لدى أي من تلك الدول، لا الآن ولا في السابق!
ولعل المشروع الوحيد بهذا الصدد هو مباشرة تسجيل الكتب على أقراص مدمجة، لملاءمتها مع ثورة المعلومات التي طالت الكلمة المكتوبة.
من المؤكد أن الشعوب العربية بوجه عام لا تقرأ، وخير دليل على ذلك ضآلة الإصدارات العربية من كتب وروايات مقارنة بحجم وكثافة إصدار الكتب في دول العالم المتقدم! فالعالم العربي، بدوله وشعوبه، لا يتجاوز حجم إصداره للكتب نصف أو ربع ما تصدره دولة أوروبية بمفردها!
عدم القراءة لم يعد مشكلة قاصرة على البسطاء من الناس أو الأميين، وإنما هي مشكلة نكاد نلمسها يومياً من طلبة المدارس والجامعات، الذين لا تتجاوز علاقتهم مع الكتاب احتياجات المقرر الدراسي وشروطه، فالطلبة وفي كل المراحل لا يقرأون سوى الكتب الدراسية أو الأكاديمية، دافعهم في ذلك اجتياز الاختبارات فقط!
مشاريع التشجيع على القراءة أصبحت شائعة ومنتشرة في عالمنا العربي، فالقراءة للجميع، وهيا بنا نقرأ، والكتاب خير جليس في الزمان، وغيرها الكثير، لكنها تأتي بلا شك مشاريع قاصرة وشاذة وسط واقع تعليمي وتربوي محبط، ومناخ سياسي مضطرب وقلق.
