تشريع وقانونقضايا الوطن

النبي

“النبي”

في متاهات الحرب، وحمامات الدم، وهوس التطرف والعنف، يسعى الكثير منا إلى التخفيف من سطوة هذا الواقع المخيف إلى قراءات وكتب تعيد إلى الذاكرة بعضاً من صفاء النفس، وهدوء السريرة!
هذا العام يكون قد مضى على رحيل رائد أدب المهجر العربي والشاعر المرهف جبران خليل جبران، أكثر من ثمانين عاماً، ومع ذلك يبقى لفلسفته وكتبه أثر البلسم الذي يعيد إلينا بعضاً من التوازن والطمأنينة التي سرقتها حمى الحرب، وجنون العنف، وهوس التطرف!
جبران الخالد دائماً في حديقة الشعر العربي وفي ذهن ووعي الناس شرقاً وغرباً، كتب الكثير من الإبداعات، لكن تبقى لكتابه “النبي” منزلة مختلفة في وجدان البشرية.
كتب جبران خليل جبران كتابه “النبي” عام 1923، كتبه بالإنكليزية لكن تمت ترجمته إلى أكثر من خمسين لغة، ليصبح أيقونة الكتب لدى ثقافات وشعوب مختلفة، اختلفت في عاداتها وثقافاتها، لكنها اتفقت على أن جبران خليل جبران، قد أودع سر إبداعه في هذا الكتاب الخالد!
الرسالة التي تضمنها هذا الكتاب هي رسالة متصوف آمن بوحدة الوجود، وبكون الحب هو جوهر الحياة، وليس من قبيل الصدفة على الإطلاق أن يجد البعض تشابها كبيراً بين كتاب “النبي” لجبران وكتاب “هكذا تكلم زرادشت” لنيتشه، فكلا الكاتبين وضعا كلماتهما على لسان حكيم لينطق بها.
في كتابه، تناول جبران شتى الأمور المتعلقة بحياة البشر، من الحب والزواج إلى الحرية والرحمة والدين والأخلاق والحياة والموت، وهكذا، ولعلَّ من أجمل ما ورد من مقاطع في كتاب النبي” ما أجاب به جبران على لسان حكيمه لسؤال سألته عرافة حول المحبة، حيث يقول جبران: “المحبة لا تعطي إلا نفسها، ولا تأخذ إلا من نفسها، المحبة لا تملك شيئاً، ولا تريد أن يملكها أحد، لأن المحبة مكتفية بالمحبة”.
أما في الأبناء، فقد قال جبران في كتابه مقولته الشهيرة، التي يعتبرها البعض درساً من دروس التربية، فيقول في الأبناء: “أولادكم ليسوا أولاداً لكم، إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم”.
كان جبران ثائراً، وعاشقاً، ومتمرداً، وحكيماً، من هكذا مزيج ولد جبران عبقرياً تحت ظلال الأرز، رحل إلى أميركا، لكنه بقي محملاً بشجون وطنه.
كان يرفض أن يصفه الناس بالسياسي، فهو كما قال لا يريد أن يكون كذلك، كان يفضل أن يصفه الناس بالإنساني، فهَمُّه كان تحرير النفس البشرية من كل أشكال العبودية.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى