الأدب والثقافة والفنقضايا الوطن

شقة الكرامة

شقة الكرامة

كثيرون من الذين قرأوا رواية “شقة الحرية” أو تابعوا أحداثها في المسلسل الذي عرضه التلفزيون مؤخراً، استاؤوا كثيراً من الصورة التي أظهرها الدكتور القصيبي كاتب الرواية، لشخصية الفتاة الكويتية التي بدت فيها خاوية من أدنى مقومات النضج والقيم والفضيلة، عاجزة حتى عن تجسيد أهداف وطنية وطموحات قومية مما كان سائداً في تلك الفترة، أو عن التعبير عن أحلام وتطلعات الشباب العربي في تلك الحقبة، مما جعلها تبدو شخصية شاذة ومتكاسلة وممثلة، خاصة إذا ما قورنت بباقي الشخصيات النسائية في الرواية.
وعلى الرغم من صحة تلك النقطة في الرواية إلا أنها ليست نقطة الخلل الوحيدة فيها، بل واحدة فقط من سلسلة هفوات جعلتنا في النهاية أمام عمل روائي ضعيف وركيك في أغلب أجزائه، لا يحتمل إطلاقاً ما أثير حوله من دعاية وضجة إعلامية.
لا شك أن جانباً كبيراً من تلك الضجة يعود إلى أن “شقة الحرية” هي من الأعمال القليلة التي عكست جانباً من البيئة الخليجية في حقبة الخمسينيات، ولكن بالرغم من ذلك فإن الكاتب وجد نفسه في نهاية الأمر يغوص في الشأن العربي أكثر منه في الشأن الخليجي.
لم يخف على أحد ممن قرأ الرواية أو شاهد المسلسل التلفزيوني، أن هجوماً شرساً قد شنه الكاتب على تلك الحقبة من التاريخ العربي الحديث.. وبدا في أحيان كثيرة كما لو أن الرواية في نسيجها العام قد استهدفت شخوص تلك المرحلة، وفكرها الذي كان سائداً وأحرارها وثوارها.
فلقد حاول الكاتب أن يسخر حضوره في القاهرة إبان أوج المد القومي، والناصري بشكل خاص، ليسقط الضوء وبسوداوية فاقعة على سلبيات تلك المرحلة، دون أن يكلف نفسه ويلتزم بأمانة الطرح والسرد فيذكر جوانب أخرى مضيئة من حقبة الخمسينيات، ومن فورة المد القومي العربي. بل اكتفى بالتباكي على الإقطاعي (قاسم) وثروته “المنهوبة”.. وكأن الثورة المصرية لم تجلب معها تنويراً ولا تغييراً سوى مصادرة أموال الأغنياء، والتنكيل بهم وبممتلكاتهم!
ولا نستطيع أن نعفي الكاتب من مسؤوليته في أمانة الطرح، حتى وإن كان عملاً روائياً وبشخوص وهمية من نسج الخيال، فالموضوعية مطلوبة في السرد التاريخي حتى وإن كان ضمن عمل روائي بحت.
حتى لقد ألقت تلك اللاموضوعية بثقلها على باقي أجزاء الرواية، مما جعل التسلسل مملاً، والأحداث مبتورة في أحيان كثيرة، وبدا كما لو أن الكاتب كان متلهفاً لتهميش ذلك التيار القومي الذي كان في أوجه، أكثر مما هو مهتم بشخوص الرواية، وتطورها.
أما بالمقياس الأدبي النقدي للرواية، فإن “شقة الحرية” قد افتقدت لأهم عناصر العمل الروائي، ألا وهو بناء الشخصية ونموها وتطورها بصورة متواصلة وبأسلوب ثابت وهو ما لم نجده في شخصيات “شقة الحرية”، حيث لم تبق معنا أي من الشخصيات ولم تعلق بذهننا كما هي العادة في الرواية أو القصة، بل لقد كان من الصعب التكهن بتصرفات وردود فعل الشخصيات في مواقع كثيرة من الرواية، بسبب عدم ثبات بنائها الشخصي الروائي.
“شقة الحرية” عمل سياسي أكثر مما هو عمل روائي أدبي – وإن كان الإخفاق قد طال الجانبين معاً: فالرواية من المنظور الأدبي أقل من المتوسط أما الحبكة من المنظور السياسي فقد عجزت عن أن تحقق هدفها الأول، حيث رفض الكثيرون أن تغتال أنصع مراحل القومية، فارتفعت الأصوات والأقلام منددة بمحاولة تشويه حقبة بيضاء من تاريخ الكرامة والوطنية العربية، وفي شقة تدعي أنها تنادي بالحرية!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى