الأدب والثقافة والفنقضايا الوطن

كفاحي!

كفاحي!

يتشابه الطغاة والدكتاتوريون في فكرهم بصورة كبيرة! فإن تعلُّم أسلوب تفكير واحدٍ منهم يجعلك قادراً على فهم غيره والتنبؤ بخطواته. ولعل من أبرز سمات الطغاة ظروفهم المعيشية البائسة وطفولتهم التعيسة.
يُحكى عن هتلر، الذي قاد الأمة الألمانية على مدى ثلاثة عشر عاماً، أنه غادر مدينته لينز في النمسا متوجهاً إلى العاصمة فيينا بحثاً عن لقمة عيشه.. وهناك تعرّف وللمرة الأولى على حجم الاحتكار اليهودي لمؤسسات العمل في بلده النمسا! وبينما هو عائد من إحدى محاولاته اليائسة للبحث عن عمل، مرّ في طريقه على أحد المقاهي الشهيرة والغالية، ليصدمه التواجد اليهودي الذي كان مُرفَّهاً وغنيّاً بعكسه.. وبعكس أهل وطنه. ومنذ ذلك الحين، قرر أن يجاهد ليُعيد الأوضاع المقلوبة في النمسا، ولكن من خارجها، وبالتحديد من ألمانيا. فبالنسبة لهتلر، لم تكن لليهودي حضارة خاصة به، فَأُسُسُ عمله الفكري مستعارة، أخذها من الذين أوجدوا الحضارات. وهم تَسَلَّلوا إلى الحياة الاقتصادية ليس كمنتجين، وإنما كوسطاء يُقرِضون الناس أموالاً بفوائد فاحشة بعد أن احتكروا التجارة والأعمال المالية، وشغلوا في المدن أحياء خاصة بهم، مؤلفين بذلك دولة ضمن الدولة!
في كتابه “كفاحي” يتناول هتلر تجربته ونضاله ضد اليهود أولاً، وفي سبيل تنقية الجنس الآري الذي ينتمي إليه، مما يراه من طفيليات!
تقرأ “كفاحي” لهتلر، فتعود بك الصور إلى صدام حسين.. فبالنسبة لهتلر، فإن القوى التي تُنشئ الدولة وتصونها هي العقل والإرادة والمُثل العُليا والتضحية.. فالإنسان لا يضحّي بنفسه من أجل صفقة تجارية، ولكنه يفعل من أجل فكرة أو مثل أعلى. ففي الحرب العالمية الأولى، حارب الألمان من أجل الخبز، بينما حارب الإنجليز من أجل الحرية.. حريتهم وحرية الأمم الصغرى.. لذلك، فقد حارب الإنجليز بعناد وإخلاص، بينما استبسل الألمان في الأشهر الأولى ظنّاً منهم أنهم يحاربون من أجل مُثُلْ عليا..
فلما قيل لهم إنهم يحاربون من أجل اللقمة، انهارت معنوياتهم وتبخّر حماسهم. كانت الدعاية بالنسبة لهتلر فنّاً وسلاحاً في آنٍ واحد، ولعل صدام حسين كان قد قرأ “كفاحي” لهتلر قبل أن يُسخّر سلاح الدعاية لتضليل الناس!
يقول هتلر في كتابه “كفاحي” إن الدعاية يجب أن تُوجَّه إلى سواد الشعب.. أما المتعلمون فيُوجَّه إليهم التفسير العلمي للدعاية، لأن الدعاية نفسها لا تحوي العلم أكثر مما يحويه الإعلان أو اللافتة من عناصر الفن! والدعاية، بالنسبة لهتلر، لا تقوم على تنوير الفرد على أساس علمي، بل تقوم على لفت السواد من الشعب إلى وقائع وأحداث وأمارات وضرورات معينة، لا يمكن إعطاؤه فكرة عن أهميتها وخطورتها بغير هذه الوسيلة. لهذا، ينبغي للقائمين على الدعاية أن يتوجهوا إلى قلوب الناس قبل عقولهم! فالدعاية يجب أن تكون شعبية، وأن يكون مستواها الفكري في متناول مدارك الفئة الأضيق أفقاً. وكلما كان عدد الذين تُوجَّه إليهم كبيراً، وجب خفض مستواها الفكري.
قاد طموح هتلر وأسلوبه الدعائي ألمانيا إلى الدمار والانهيار، تماماً كما قاد الطموح وجهاز الدعاية صدام حسين لتدمير العراق وشعبه!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى