الصحة والبيئةقضايا الوطن

المونديال في حضن الشقيقة قطر

المونديال في حضن الشقيقة قطر

ليس من قَبيل المديح الأجوف ولا التملّق، بل من أجل الإنصاف وموضوعية وحياد المواقف، نقول إن قطر، هذه الدولة الصغيرة جغرافياً، قد استطاعت أن تختزل مسافات طويلة، وأن تختصر سنوات عدة في مسيرة نموّها منذ فوزها باستضافة كأس العالم 2022.
مونديال قطر 2022 سيكون علامة فارقة ومكسَباً للمنطقة كلها، فالحدث بتفاصيله وأهميته الدولية سيُشكّل حتماً نقطة ضوء تُسَلّط على المنطقة، ليس رياضياً وحسب بل سياسياً وتنموياً واجتماعياً وثقافياً، فالمونديال ليس كرة قدم وحسب، بل هو حَدَث رياضي وثقافي وفني، تُشارِك فيه دول العالم بشكل يُرسّخ ملامح السلام بين الشعوب والأمم، ويؤكّد مسألة إمكانية التعايش السلمي بين البشر، خاصة في ظل ما تُثيره الحروب من تنافر وكراهية وغضب.
في يناير 2009 بدأت إجراءات تقديم ترشيحات كأس العالم 2018 و2022، وفي 2 ديسمبر 2010 تم التصويت لاختيار مُضيفي البطولتين، ففازت قطر وعِبر أربع جولات تصويت بمونديال 2022. لكن ذلك لم يكن نهاية القصة الجميلة، فالانتقادات لقطر لم تَتَوقّف منذ تلك اللحظة، والتساؤلات حول شرعية تنظيم قطر لكأس العالم 2022 بقيت خبراً إعلامياً تتناقله الأقلام والأصوات وبشكل لم يَحدُث مسبقاً، ولا مع أي دولة حَظِيَت باستضافة هذه الفعالية الدولية. الادعاء بأن هنالك تجاوزات لحقوق البشر يذكّرنا بما فعلته الأرجنتين حين استضافت كاس العالم لعام 1978، وعملت الدولة حينها على إقامة سور عازل حول الأحياء الفقيرة والمُعدَمة حتى لا تراها جماهير المونديال آنذاك، ولم نسمع أبداً عن حجة حقوق الإنسان يومها.
الادعاءات طالت كل شيء في قطر، وكما لو أنه من المُحرّم أن تَتَقدّم دولة عربية وخليجية صغيرة وتتنافس مع العمالقة لتفوز بحق استضافة المونديال، الذي تم بإشراف دولي وليس بضغط قطري مثلاً، فقطر مارست حقاً في طَلَب الاستضافة، وهو حق تملكه كل الدول المُشارِكة، وجرى اختيارها وفقاً للمعايير المعمول بها دولياً.
لا حاجة هنا لسرد تفاصيل الهجوم على مونديال قطر، الذي تتضاعف حدّته مع اقتراب الموعد، خاصة بعد أن اتّضَحَت معالم الأسباب الخفيّة وراء مثل هذا الهجوم، التي اختلط فيها السياسي بالمالي بالرياضي، بل وحتى بالاجتماعي، ولم تُستَثنَ منه صحف عريقة وكتّاب مرموقون، وبشكل جعل الجميع يبحث في أسباب أخرى لمثل هذا الهجوم بخلاف حجة حقوق الإنسان.
لقد استطاعت قطر، وكما ورَدَ أعلاه، أن تختزل سنوات طويلة في وضع بُنية أساسية لن تخدم فعالية كأس العالم فقط، وإنما تصب مباشرة في مشاريعها التنموية المُستَدامة، التي يتجاوز بعضها في مردوده التنموي خانة الشهر المخصّص للمونديال.
الاستثمار في الأزمات، كما في الفعاليات العالمية، يُعتَبَر فرصةً مُهدَرة إذا لم تُقتَنَص في بداياتها، ومثلما استثمرت قطر فترة المقاطعة، التي جعلتها تُراجع مداخيلها من المنتجات، وبشكل دفَعَها لتشريع برامج اقتصادية تهدِف للمزيد من الاعتماد على الذات، والتنويع في الإنتاج والاستيراد والشّرَكاء الاقتصاديين، كذلك جاءت فرصة الفوز بمونديال 2022 لِتُشَكّل فرصة ذهبية لتعجيل إرساء البُنية التحتية وتحقيق استدامتها لما بعد البطولة. حتماً سيَضَع المونديال قطر وجيرانها على خريطة الإعلام الدولية، وسيُشكّل الحدَث فرصة لبَث صورة مختلفة عن الصور التقليدية السائدة، التي غالباً ما تروّج شكل العربي والخليجي بالتحديد بشكل سلبي جداً، بل وعنيف في أحيان كثيرة، وتصوّره متهاوناً في الحقوق البشرية، ومنغلقاً فكرياً ومنهجياً وعقائدياً.
بالرغم من المكاسب الاقتصادية التي ترصدها الجهات المعنيّة، فإن احتضان قطر لهذا الحدَث العالمي الكبير، الذي يُنَظّم لأول مرة في الشرق الأوسط، سيُحقّق كذلك مكاسب عالية في مجال السياحة والأعمال، وتبادل الخبرات والمعلومات، والتواصل مع شعوب العالم على اختلاف ثقافاتهم، مع ما يعنيه ذلك من مدٍّ فعلي ومحسوس لجسور الحوار والتواصل بين تلك الشعوب، وبشكل يساهم في تغيير الصورة النمطية للعربي وللخليجي في أذهان أغلبهم.
المصادر الواردة تقول إن أكثر من 97 في المئة من تذاكر المونديال قد نَفَدت، وأن من بين الدول الأكثر شراء دولاً لم تتوقّف عن انتقاد قطر، والهجوم على المونديال والتنبؤ بفشله، مما يعني أن الحملات الهادفة لتشويه صورة مونديال قطر 2022 ذات أبعاد وملامح سياسية بعيدة كل البعد عن الروح الرياضية، التي يراهن عليها الحضور من الشعوب المختلفة والدولة المنظّمة.
كعرب وكخليجيين وكأشقاء نبارك للشقيقة قطر اجتيازها هذا الشوط المُرهق من مسيرة المونديال، ونأمل أن تشهد ملاعبها انصهاراً ثقافياً بين الشعوب وبمعزل عن السياسة ورُعاتها، وأن تحتضن قطر المونديال بكل ثقة وحرفية، وهي قطعاً قادرة. فكل التوفيق بالنجاح من قلب أهل الكويت والعرب جميعاً.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى