قضايا اجتماعيةقضايا الوطن

مريم المجدلية

مريم المجدلية

مع بداية عرض فيلم “شفرة دافنشي” في صالات العرض السينمائية، يعود الجدل من جديد حول هذه الرواية التي أثارت جدلاً لا يقل أهمية عما أثارته من نجاح منقطع النظير في شتى أنحاء العالم.
لقد أثار دان براون في روايته هذه “نظرية” جديدة مناقضة تماماً للتفاصيل التي وردت في العقيدة الكاثوليكية وفي الإسلام حول حياة السيد المسيح بن مريم ومماته.
فطبقاً للفكر الكاثوليكي، فإن المسيح قد مات على الصليب ثم عاد إلى الحياة بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء! بينما يؤمن المسلمون بأن المسيح لم يمت أصلاً وإنما رفعت روحه إلى السماء! وهو أمر يتناقض تماماً مع رواية دان براون التي تقول إن المسيح لم يمت، ولم ترفع روحه إلى السماء، وإنما اختفى، وعاش حياته كسائر البشر، وتزوج وأنجب طفلة اسمها “سارة” في فرنسا! وهذا أمر لا يتناقض مع ما ورد في الإنجيل والقرآن وحسب، وإنما يتداخل كثيراً مع قدسية سيدنا المسيح التي رفعته عن مصاف البشر لكونه لم “يتدنس” بالموروثات البشرية الحسية!
هنالك جبهتا معارضة لرواية دان براون؛ الأولى، تنطلق من كونها تتعارض مع مسلمات عقائدية! أما الثانية فبكونها – أي الرواية – تطرح دوراً حيوياً للمرأة في التاريخ الديني، شرقياً كان أم غربياً! فالرواية، وكما تقول تفاصيلها، ترسخ دوراً أساسياً لعبته مريم المجدلية، فتاة الخطيئة في الفكر العقائدي المسيحي، وهو دور يصورها كأحد أهم أقطاب وأتباع المسيح الاثني عشر، وبأنها لعبت دوراً رئيسياً في دعم السيد المسيح، حتى أصابت الغيرة أتباع المسيح من الرجال! وتمضي الرواية في الحديث عن مريم المجدلية بصورة مبالغة ومتناقضة مع كل الموروثات العقائدية.
المتعاطفون مع رؤية دان براون يذهبون إلى أبعد من كون الرواية تناقض الواقع العقائدي، ويرون أنه يهدف إلى أبعد من ذلك بكثير، وأنه – أي دان براون – يرمي إلى ترسيخ دور المرأة في الحضارات البشرية، الذي يرى أنه دور أهدرته ذكورية تلك الحضارات بصورة جردت المرأة من أي دور بارز ورئيسي في التاريخ البشري الطويل!
وبغض النظر هنا عن مدى مشروعية الترويج لنظريات ورؤى فكرية مناقضة للموروثات العقائدية الراسخة في الوعي البشري، فإن من المؤكد أن رفض تلك الروايات ومعارضتها لا يكونان بحجبها أو بمنع تداولها، وكما حدث في حالة لبنان الذي منع الرواية! وإنما بطرح خطاب موازٍ يخاطب عقول الناس ويقدم الجانب الآخر بصورة ناضجة ورزينة!
إن الإقبال الكبير الذي حظيت به رواية دان براون، والذي جعلها في مصاف أكثر الكتب مبيعاً، وفي كل الدول على اختلاف ثقافاتها الدينية والاجتماعية والفكرية، تعني شيئاً واحداً، وهو أن العقل البشري لا ينقطع أبداً عن البحث والتفكير والتنقيب، حتى لو كان الأمر متعلقاً بمسلمات ثابتة، تداولتها الأجيال تلو الأجيال! ولنا في شك إبراهيم، عليه السلام، وطلبه من الله برهاناً، ليطمئن قلبه، خير دليل على مدى ديناميكية العقل البشري.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى