الأدب والثقافة والفنقضايا الوطن

بين كيكا ومنيف.. تحتضر الحياة

بين كيكا ومنيف.. تحتضر الحياة

في الإجازة تحلو القراءة، ويمتد الوقت بنا متسعاً لمزيد من المطالعة والاطلاع. فلا قيود عمل ولا التزامات اجتماعية تقطع وتيرة القراءة.
بدأت إجازتي بقراءة كتاب “السجينة” لمؤلفته مليكة أوفقير ابنة وزير الداخلية المغربي الجنرال أوفقير الذي كانت الحكومة الفرنسية قد وجهت إليه في العام 1965 هو ومدير الأمن العام الكولونيل “الدليمي” تهمة التخطيط لقتل المهدي بن بركة رئيس جناح المعارضة المغربية ومؤسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وقد مثل الدليمي أمام القضاء الفرنسي حيث جرت تبرئته في العام 1967 مما نسب إليه، أما الجنرال أوفقير فقد أصدرت المحكمة الفرنسية بحقه حكماً بالسجن المؤبد، فكان رد فعل المغرب آنذاك على لسان ملكها الذي أبدى أسفه لهذا القرار المجحف وأعرب عن تمسكه التام وثقته المطلقة بشخص أوفقير. إلا أن ذلك الانسجام بين الملك المغربي والجنرال أوفقير لم يستمر طويلاً. ففي أغسطس 1972 تعرضت الطائرة الملكية العائدة من باريس إلى مطاردة في الجو، حيث قامت طائرة من سلاح الجو المغربي بتعقب الطائرة الملكية وأطلقت باتجاهها صواريخ عدة. وقد انطلقت الطائرة من مطار القنيطرة، مقر المؤامرة ويقودها كل من الجنرال “امقران” والمقدم “كوبرا” وكان هذا الأخير قد تم إلقاء القبض عليه بعد أن ألقى بنفسه من الطائرة. وقد تمكنت الطائرة الملكية من الهبوط بسلام في مطار الرباط. أما الكولونيل أمقران فقد فرَّ هارباً على متن طائرة هليوكوبتر يرافقه أربعة آخرون، حيث طلب اللجوء السياسي بعد أن أشار بطرف خفي بأصبع الاتهام إلى الجنرال أوفقير الذي طالما اعتبره الملك من أوفى الأوفياء.
وباستدعاء من الملك، توجه أوفقير إلى قصر الصخيرات وهناك تقابل مع الرجل الذي كان يعدُّ ذراعه الأيمن (أحمد الدليمي) ورئيس التشريفات حفيظ العلوي.. الرواية الرسمية خلصت إلى القول أن الجنرال أوفقير قد قضى منتحراً بإطلاق خمس رصاصات على نفسه، وبأن تلك التي اخترقت العنق أصابت منه مقتلاً، لتبدأ فيما بعد معاناة أسرته مع السجن، حيث أقتيدت الأم مع ستة من أطفالها في ديسمبر عام 1972 في رحلة دامت عشرين عاماً داخل السجون والمعتقلات إلى العام 1991 حين غادرت عائلة أوفقير السجن وتمكنت بعد ذلك بخمسة أعوام من الانتقال إلى فرنسا!
انطلقت الرواية “السجينة” على لسان كبرى بنات الجنرال أوفقير مليكة أو كما يطلق عليها أشقاؤها “كيكا” لتروي لنا معاناة أسرتها في المعتقل الذي بدأوا رحلتهم فيه وأكبرهم في التاسعة عشر، بينما لم يتجاوز عمر أصغرهم العامين، رافقتهم في تلك الرحلة البائسة اثنتان من مرافقاتهم المخلصات.. عاشوراء وحليمة.
الرواية كما روتها كبرى بنات الجنرال أوفقير مليكة أو “كيكا” حملت في طياتها الكثير من مشاهد الرعب الذي رأى فيه بعض القراء مبالغة كبيرة وتضخيماً مفتعلاً بهدف الإثارة لا غير!! وقد كنت سأجد في الرواية الشيء نفسه لو لم أكن قد انتهيت منذ فترة وجيزة من قراءة معاناة سجين سياسي عربي في أحد السجون العربية جسدها الكاتب عبدالرحمن منيف في كتابه “الآن.. وهنا” والذي يعتبر نسخة منقحة ومطولة لرواية “شرق المتوسط” التي صدرت للكاتب قبل خمسة وعشرين عاماً! في كلا الروايتين يصور “منيف” مشاهد مرعبة ومقززة للسجون السياسية في عالمنا العربي، تصبح معها تجربة “كيكا” في المعتقل أقرب إلى النزهة!
إن ما جاء على لسان “كيكا” وما دونه “منيف” في رواياته عن واقع السجون وانتهاك الحريات في عالمنا العربي يعتبر شأناً يمسنا جميعاً، فقد نصبح يوماً ما جزءاً من ذلك الواقع طالما أمعنا في تجاهله وإنكاره أو عدم تصديق حيثياته! فشخوص “كيكا” و”منيف” ليسوا أشباحاً وإنما هم وبكل أسف جزء من نسيج عربي صار مع الأيام والجهل واقعاً عربياً مراً ومقززاً.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى