الأدب والثقافة والفنقضايا الوطن

ساهر الليل

ساهر الليل

إلى الآن، لم يتناول أحد موضوع العمل الدرامي “ساهر الليل” بموضوعية تامة، وبتجرُّد بعيد عن التشنج. وبخلاف ما أدلى به أحد الإخوان العراقيين، وهو رئيس مركز دراسات استراتيجية، والذي قال في مداخلة له على قناة العربية إن الأوان قد آن للمكاشفة والمصارحة بين الشعبين، وليس على المستوى الرسمي وحسب. بخلاف حديث هذا الأخ العراقي، فإن كل ما قِيل، وكل ما كُتب، كان يحمل نفساً متشنجاً وبعيداً عن النقد الفني البحت، والرؤية الموضوعية المجرَّدة لما حدث في الثاني من أغسطس عام 1990.
بداية، نريد الإشارة هنا إلى أن العمل حاول في أغلب حلقاته أن يتحلَّى بالموضوعية، حيث تناول في عرضه نماذج مختلفة من الجنود العراقيين، وبشكل عكس الواقع حقاً، فهناك من تعاطف مع الشعب الكويتي، وهناك من رفض بطريقته الاحتلال، وهناك من كان مذعوراً وخائفاً، وهناك من تألَّم لتحطيم صورة التآلف والتصاهر والتقارب بين الشعبين، تماماً كما كان هناك من قام بالتعذيب والقتل والتنكيل.
غزو النظام العراقي يُعد مرحلة مفصلية غيَّرت، ولاتزال، شكل وجغرافية المنطقة، وهي مرحلة من التاريخ تستدعي التوثيق، إعلامياً وفنياً، وهو أمر يتطلَّب تعاوناً عراقياً كويتياً، سواء على المستوى الفني والدرامي أو غيره، فالغزو لم يُضر بالكويت وحدها، إنما كان مدخلاً للواقع الكارثي الذي أصبح يرزح تحته العراق الشقيق.
لم يتناول المسلسل أكاذيب، ولم يطرح بتهويل أو تزوير ما حدث في تلك الحقبة، بل لعله اختصر كثيراً من المعاناة التي شهدتها الكويت، شعباً وأرضاً، لأسباب نفسية بحتة، فجرائم النظام البعثي المقبور كانت أكبر بكثير وأكثر ألماً مما جاء في مسلسل “ساهر الليل”، ولعلنا جميعاً لانزال نحتفظ في الصدور ببعض من تلك الآلام والمعاناة، وهي آلام لايزال يتذكرها كل بيت كويتي.
جرعة ألم الأشهر السبعة التي عانتها الكويت تعد نسخة مكررة من جرعات الألم التي عاناها الشعب العراقي الشقيق، ولسنوات طويلة جداً، وإذا كانت الدراما الكويتية قد بادرت بمهمة المكاشفة هذه، فإن الدراما العراقية العريقة مطالبة هي الأخرى بكشف سراديب النظام الدموي السابق، وبطرح ممارساته، لتذكرها الأجيال الحاضرة، وتتعلم من آلامها ومآسيها.
“ساهر الليل”، عمل درامي توثيقي يُدين ممارسات نظام دموي قتل العراق والعراقيين، قبل أن يقتل الكويت والكويتيين، وهو عمل يدين نظاما ديكتاتوريا سقط بسببه مليون شهيد عراقي، وتدمر بسببه بلد شقيق كان عزوة للعرب والعروبة، ومسألة توثيقه فنياً تحتاج إلى عشرات الأعمال الدرامية، وليس إلى “ساهر الليل” واحد.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى