ملفات ساخنة

الثلاثاء الذي هز فيلكا

[جريدة القبس 16/10/2002]

الآن وقد حدث ما حدث، وتلونت رمال فيلكا بدماء كان أجدى بها أن تسيل في أرض القدس الشريف.
الآن وقد حدث ما حدث، وأفقنا جميعاً على ذلك المارد هائل الحجم من التطرف والغلو، مارد يكاد يطيح بكل ما بنينا من إنسان وأرض وعنوان.
الآن وقد حدث ما حدث، يبقى السؤال الأهم، ألا وهو: ماذا نحن فاعلون؟
فعلى الرغم من بشاعة ما حدث، وبالرغم من حزننا لما آلت إليه الأمور، وخوفنا مما هو قادم، إلا أن مساحة القلق التي تحاصر كل مواطن في الكويت هي في مدى جدية الحكومة في التعامل مع حدث بهذا الحجم، وهذه الخطورة، وهو قلق يعود إلى تجارب سابقة لم ترقَ الحكومة فيها إلى مستوى طموحات المواطن وتطلعاته.
فمنذ عام 1985 حين وقع الهجوم على موكب صاحب السمو أمير البلاد، وحتى يوم الثلاثاء الذي هز جزيرة فيلكا الغافية في حضن الخليج الدافئ، ونحن صرعى في هذا البلد لآلة الإرهاب والعنف. جاء غزو النظام العراقي ليتوجها وليتركنا فيما بعد أسارى لعقول ضلت طريق الصواب، واقترفت باسم الدين إرهاباً ما أنزل الله به من سلطان، ففجرت أماكن الترفيه والتسلية البريئة، وحرمت وأفتت وحكمت وهددت المفكرين، وأحَّلت دماء كل من اختلف معها، خزنت السلاح والعتاد في مخازن مشبوهة وبكميات هائلة في انتظار ساعة الصفر!
كل هذا ونحن نرتدي رداء الصمت ونختلق لها الأعذار، لعل وعسى تخيب ظنوننا “المجنونة” و”المتوهمة”، إلى أن جاء يوم الثلاثاء الدامي الذي كشف الأوراق بصورة لا تقبل الشك ولا الإنكار، فماذا نحن فاعلون؟
نحن في الكويت جميعاً، دولة ومواطنين، مدينون لرجل فاضل من أبناء الكويت أبى أن يمارس جبن النعام ويخبئ رأسه بين الرمال! نتمنى لو أن الحكومة مارست شيئاً من شجاعة هذا الرجل الفاضل، وواجهت بجرأة كجرأته مارد العنف والإرهاب المتخفي زوراً بزي الدين والشريعة!
وأعني بذلك الرجل، والد ضحية الإرهاب والعنف طالبة المعهد التجاري، التي مارس بحقها جمع من المتحدثين باسم الدين والفضيلة إرهابهم اللفظي والبدني، فلم يثنِ ذلك الرجل الشجاع تهديد تلك الجماعة ولا لغطهم، بل أصر يومها على أن ينقل قضية ابنته إلى ردهة القضاء ليفتي فيها! يومها كانت حجة رجلنا الفاضل هذا أنه سيخرج بقضية ابنته ويناضل من خلالها لأنها قضية الكويت لا قضيته وحده!
وبالفعل فقد تحققت رؤيته حين جاءت أسماء أولئك المتهمين بالاعتداء على ابنته ضمن الأسماء التي وردت في ملفات المطلوبين في قضايا الإرهاب.
الإشاعات تقول إن المنتمين إلى الخلية المسؤولة عن إرهاب فيلكا سيرحلون إلى قاعدة “غوانتانامو” التي تحتجز فيها أمريكا خلايا “القاعدة” والمنتمين إليها، وإذا كان ذلك صحيحاً فإنه لا يعني إخلاء مسؤوليتنا كدولة عن ملاحقة كل العابثين بأمننا وأماننا.
لقد أثار ثلاثاء فيلكا الدامي قضية الإرهاب في الكويت وفتح ملفها واسعاً بصورة تحتم علينا التعامل مع الحدث وفقاً لحجمه وتداعياته التي لا تحتمل المجاملة ولا التهاون، فالثلاثاء الذي هز فيلكا، هو حتماً سيولد الأربعاء الذي سيهز الكويت، وقبل أن تتسع الصورة بهذا الشكل، نتمنى أن تكون الإجابة عن سؤالنا “ماذا نحن فاعلون؟” حاسمة وقاطعة، لأن الضحية هنا هي الكويت فعلاً! وفقاً لحكمة رجل فاضل أبى أن تكون الكويت ضحية للإرهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى