ملفات ساخنة

وهم الحرب على الإرهاب

[جريدة الطليعة 8/7/2015]

اصطبغ التفاعل مع جريمة تفجير مسجد الإمام الصادق بالعاطفة وردود الفعل المنفعلة، أكثر من كونه بحثاً مجرداً في أسباب هذه الجريمة وجرائم أخرى مشابهة تقترف يومياً في الشام والعراق وليبيا وتونس واليمن ومصر وغيرها من مناطق ساخنة.
بداية، يجب أن نقر جميعاً، بأن ما حدث كان نتيجة، وليس سبباً، نتيجة لتراكمات فكر تكفيري ساد المنطقة لعقود، لكنه – أي هذا الفكر التكفيري – بقي بعيداً عن الأنظمة السياسية والسلطة، التي عاشت مرحلة وئام فرضتها تحالفات سياسية وقحة وقبيحة كانت الغاية فيها مبرراً مشروعاً للوسيلة، وكانت الشعوب وثقافتها وتعليمها وإعلامها جميعاً أدوات بيد السلطة لتحقيق غايتها.
اليوم، وبعد ارتداد المشروع الأصولي على صانعيه، يخرج مشروع آخر سيكون ضحاياه، كالعادة، الشعوب ومقدَّراتها وأمنها واستقرارها، مشروع بدأته الإدارة الأمريكية في عهد بوش الأمريكي وبلير البريطاني، وهو مشروع “الحرب على الإرهاب”، الذي راح ضحيته آلاف المدنيين، ولم يتضرر منه الإرهابيون، بل زادوا انتشاراً وقوة ونفوذاً.
مشروع “الحرب على الإرهاب” أصبح اليوم مشروعاً عربياً، في ظل تنامي حالة الشحن السياسي والعسكري، وهو المشروع الذي أصبح يعطي شرعية لأنظمة سياسية سقط شباب العرب قتلى لإسقاطها.. مشروع “الحرب على الإرهاب”، هو الذي أعطى شرعية وإجماعاً شعبياً لنظام عسكري في مصر.
مشروع الحرب على الإرهاب ليس جديداً، بل يعود بعيداً في تاريخ المنطقة، بدأه نتنياهو في السبعينيات، حين كان يرى في “منظمة التحرير” منبعاً للإرهاب.
وكذلك الأنظمة الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية، رأت فيه (أي المشروع) مدخلها الأمثل لممارسة القمع والبطش.
نحن أمام عودة للقمع والديكتاتورية، ولكنها تأتي هذه المرة بمباركة ومطالبة الجماهير العربية المغيبة، وبكل أسف، والتي هالها وأربكها حجم العنف، فرأت في “الحرب على الإرهاب” خلاصاً وملاذاً لها.
الحقبة المقبلة مظلمة، سترتدي فيها أجهزة الاستخبارات والأمن رداء الملائكة والداعمة للحريات، ستكون مرحلة أمن وهمي، لكنها حتماً لن تطول، شأنها شأن كل حقبة مرَّت بها شعوب المنطقة العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى