ولا سلام دون سوريا

ولا سلام دون سوريا
إذا كانت الحرب مستحيلة دون مصر.. فإن السلام يكون أشبه بأحلام القيلولة دون سوريا!! فبينما تتدافع دول المواجهة لتقديم ولائها وقبولها بالسلام وفقاً للشروط الإسرائيلية تبقى سوريا وحدها.. المتعففة عن فتات موائد المحتفلين في مهرجانات عهد السلام القادم!!
قد لا يختلف أحد على أن (سلام الشجعان) العربي.. قد انطلق من موقف ضعف لا موقف قوة!! وهو ما ترفضه سوريا.. ويراه الغرب عرقلة لمشروع السلام الشرق أوسطي! أو كما جاء في تعليق لصحيفة (الثورة) الرسمية السورية.. على اتفاق المرحلة الانتقالية للحكم الذاتي.. حيث قالت.. “إن سوريا غير محكومة بعامل الوقت ونفاده.. وأنها لن تستعجل تحت أي ظرف حلولاً مسلوقة تمس الأمن والحق والسيادة.. لا تلبي مطالبها في استعادة كامل الأراضي المحتلة في الجولان وجنوبي لبنان!!
لقد أكدت مفاوضات السلام.. أو الاتصالات العلنية بين الدول العربية وإسرائيل.. أكدت أزمة الثقة المتأصلة في العلاقات العربية بين دول المنطقة.. وبحيث اتسم سباق السلام فيما بينهم.. بطابع سافر وهزلي.. ومؤسف في أحيان كثيرة.. خاصة أن الجانب العربي كان سيبقى الأقوى في أية معادلة سلام تعم المنطقة!! سواء من حيث الحجم أو الأهمية الاستراتيجية!! غير أن التهافت المحموم على التوقيع مع إسرائيل.. يشير بوضوح إلى أن خلافات الأنظمة العربية فيما بينها.. هي أعمق بكثير من خلافاتها مع الكيان الصهيوني!! وهو ما حاولت إسرائيل استثماره بصورة.. أعطت عوائدها الإيجابية فيما يخص الجانب الإسرائيلي في المعادلة السلمية!!
قد يرى بعض المتسابقين في مشوار السلام.. أن المتغيرات الدولية هي التي فرضت على العرب دوراً أضعف في مقابل الحظوة التي تتمتع بها إسرائيل في ظل النظام العالمي الجديد!! وأن انتهاء فترة الاستقطاب الثنائي الدولي بوجود كلتا القوتين العظميين.. قد فرض على العرب البحث عن مكان ودور في ظل أحادية النظام العالمي!! وذلك أساساً ما ترفضه سوريا.. خاصة أن المكافأة التي حصل عليها الموقعون.. لم تتعد إسقاط ديون.. أو هبات ومساعدات اقتصادية.. وعقوداً مع البنك الدولي!! تجردهم من أدنى مقومات الاستقلال.. وتضاعف من تبعيتهم.. وتطويقهم!!
لا شك أن انهيار الاتحاد السوفيتي وانقضاء الثنائية القطبية.. قد فرض تغييراً في الأدوار خاصة في منطقة الشرق الأوسط.. والتي ستبقى أهميتها الاستراتيجية في خلق توازنات بين شطري المعمورة مستمرة حتى مع انتهاء الاتحاد السوفيتي!! وهو ما تحاول سوريا استثماره بالصورة الأمثل في أية خطوة تخطوها باتجاه السلام!! مصرة بأن لها دوراً.. لا يلغيه ولا يضعفه انهيار حليفها الأول.. وممولها الرئيسي بالسلاح.. طوال صراعها مع الكيان الصهيوني!!
ما يميز مسار السلام السوري عن نظيراته من المسارات العربية.. هو يقين سوريا بأهمية الشرق الأوسط الاستراتيجية بوجه عام.. لا ينقص من ذلك ولا يزيد وجود إسرائيل من عدمه!! لذا فهي تصر على أن تكون انطلاقتها من مركز القوي لا الضعيف!! فبينما تتهافت الدول الأخرى على السلام طمعاً في معونات اقتصادية.. تصر سوريا على أن تبقى لاعباً في منطقة الشرق الأوسط. لا مراقباً وحسب!!
ولقد تجلى إصرار سوريا على التمسك بدور أقوى في المنطقة.. من خلال الاستياء الرسمي الذي أبدته سوريا تجاه لجوء الجناح المنشق في العائلة الحاكمة العراقية إلى عمّان بدلاً من دمشق.. والتي طالما ساهمت في استضافة أقطاب المعارضة العراقية فوق أرضها!!
سوريا لا تزال ترفض أن تلبس رداء المهزوم. والذي قبل به المتفاوضون والموقعون من قبلها!! مُصرة على ألا تخرج من مهرجانات السلام بأقل من دورها التقليدي الذي طالما أدته في المنطقة!! وإن كانت لا تُخفى في أحيان كثيرة طمعها إلى دور أكبر في معادلة الشرق الأوسط الجديدة!!
ما يؤهل سوريا لأن تُبقي على مواقعها المتصلبة أنها لا تعاني اقتصادياً.. ما يعاني منه الآخرون.. ولا تنتظر الود الأمريكي.. والهبات الأوروبية!! هذا بالإضافة إلى استقرارها السياسي والاجتماعي ودورها الإقليمي والذي ما زال يوفر لها زمام المبادرة والمناورة في محيطها القلق!! كذلك.. فإن سوريا لا تتفاوض على الجولان.. كما تفاوضت مصر على سيناء.. والمنظمة على غزة وأريحا!! فهي تعلم أن الجولان مصيرها العودة إلى سوريا.. بناء على رفض دولي صدر بحق ضمها!!
لا شك أن سوريا تتفاوض على دور وليس على أرض أو موقع استراتيجي!! وهو ما يفسر سر النشاط السوري مؤخراً تجاه إيران وتركيا!! حيث اجتمع وزراء خارجية الدول الثلاث إيران وسوريا وتركيا في سبتمبر الماضي.. في محاولة جادة لخلق حوار إقليمي.. في مقابل الحوار العربي!! كما يعقد الجانبان السوري والتركي اجتماعاً في الشهر الجاري للجنة المشتركة الخاصة بالتعاون الأمني بين البلدين!!
بغض النظر عن الملاحظات التي قد يبديها البعض تجاه النظام في سوريا!! وعن مدى الحرية والديمقراطية المتوافرة!! أو تجاه التواجد السوري في لبنان والذي يتعارض مع أدنى مقومات الاستقلال للبنان!! فإن المراقب لن يُخطئ على أية حال التحركات الذكية لسوريا في مسيرة السلام!! والتي يسعى من خلالها المفاوض السوري إلى التسلح بدور إقليمي وعربي في آن واحد.. يتيح له التفاوض من منطلق القوة.. لا الضعف!! ويُتيح له التحرك إقليمياً إذا ما حوصر دولياً!! فيصبح بذلك السلام حلماً بلا سوريا!!
