نكبة السُّهروردي!

نكبة السُّهروردي!
في رسالته للماجستير، يستعرض الأستاذ محمد حسين بزي المرحلة التاريخية والظروف الفكرية السائدة التي عاصرها الفيلسوف شهاب الدين السهروردي، الذي عاش في عصر مليء بالأحداث (الثالث عشر ميلادي)، حيث كان الخطر المغولي القادم من الشرق يتفاقم، وكانت المواجهة العسكرية مع الجيوش الصليبية القادمة من الغرب في أوجها. وهو عصر سادت فيه نزعة دينية سنية حاولت أن تحل محل الإسماعيلية خصوصاً، وكان الصراع على أشده بين الدعوات الباطنية (الصوفية، والشيعية) ودعوات أهل الظاهر!
يقول كاتب البحث إنه وفي تلك الفترة حلت هزيمة حضارية كبيرة حين خضع صلاح الدين الأيوبي لطلب فقهاء مدينة حلب الذين اتهموا السهروردي بالزندقة والكفر! وكان السهروردي قد بحث مع فقهاء حلب في سائر المذاهب فأفحمهم وأظهر عجزهم، وصار يكلمهم كلام مَن هو أعلى قدراً وعلماً منهم، فتعصبوا عليه وشكوه إلى صلاح الدين، محررين له محضراً بكفره، وقالوا في محضرهم: إن بقي هذا فإنه يفسد اعتقاد الملك الظاهر بن صلاح الدين الأيوبي، وإن أطلق فإنه يفسد أي ناحية كان بها في البلاد. فأمر صلاح الدين ابنه الظاهر بقتله، بعد أن كان هنالك تمهيد للحكم عليه. وحيث دعا الملك الظاهر الفقهاء إلى مناظرة مع السهروردي وأفحم الفقهاء الذين ناظروه وأظهرهم في موقع لا يحسدون عليه مما أوغر صدورهم حقداً عليه، وبدأوا يخططون لاتهامه بالخروج على الدين!
ثم يصف الباحث سمات المرحلة التي عاش فيها السهروردي، خاصة ما يتعلق منها بالحملات الصليبية التي شكلت كارثة حلت بالعالمين العربي والإسلامي على المستوى العقلي والسياسي والفكري والحضاري، وكان من أهم مظاهر تلك المرحلة قيام الطبقة العسكرية، التي سيطرت على الحكم في الدولة الإسلامية بإنشاء تحالف آيديولوجي مع الاتجاهات الدينية السلفية، مما أدى إلى فرض الفكر الأحادي المنغلق بقوة السيف على المجتمع، بدعوى مواجهة الخطر الخارجي، مما قضى على التنوع والإبداع والغنى الحضاري الذي عرفته الحضارة الإسلامية في العصور السابقة! وقد تزامنت الهزائم الفكرية مع هزائم سياسية، فجاء مقتل السهروردي مع سقوط مدينة عكا.
وهكذا لم تكن السياسة المنغلقة والمتعصبة القائمة على دعوى مواجهة الخطر الخارجي، وتوحيد الجبهة الداخلية فكرياً، إلا سياسة فاشلة على المدى الطويل، لأنها قامت بتفريغ العالم الإسلامي علمياً وفكرياً وثقافياً ومعرفياً!
لقد دفع السهروردي ومنذ قرون طويلة حياته ثمناً لأفكاره ولشجاعته الفكرية، وجادل الفقهاء الذين وقفوا عند حدود النص وفرغوا الدين من معجزته الإلهية المطلقة، لم يفهموا الدين فهماً كلياً أشمل، لأن عقولهم لم تستطع تجاوز الظاهر، وفهمهم لم يكن قادراً على التعمق وراء الحرف والغوص في الإعجاز القرآني.
اليوم، يعيش في عالمنا العربي مئات كالسهروردي، يعانون ويسقطون يومياً ضحايا لتحالفات السلطة مع تكتلات وأحزاب الإسلام السياسي، نقرأ عنهم، ونسمع عنهم في إيران والسودان ومصر وأفغانستان، وغيرها.
