ملفات ساخنة

من فشل بالغزو لن ينجح بقيادة الشعوب

من فشل بالغزو لن ينجح بقيادة الشعوب

لا أفهم سر هذا الحماس المتزايد لتبرئة ساحة التنظيمات الإسلامية من دم الكويت.. فالموقف كان واضحاً ومنذ البداية.. فانتهاك حرمة الجار كان واقعاً.. واستباحة الدم والعرض كانت ممارسة يومية. لم يكن الموقف يحتمل (صلاة استخارة) لتلمس السبيل بغرض حقن الدماء.. فالدماء كانت قد سالت حتى أغرقت الأرض.. والسرقات كانت في وضح النهار.. والأعراض تنتهك من قبل الجار والصمت المطبق يكاد يخنقنا في هذا الوطن.. ونحن ننتظر المقابلات.. ثم المفاوضات.. ثم المباحثات.. ثم الفتاوى.. لنستخلص أن التفاهم حول مجمل القضايا العربية والإسلامية كان كاملاً. إلا أن استدعاء الأجنبي ما زال أمراً يستدعي المزيد من التروي والبحث!! ولكن ما الذي أوصل الضمير العربي الإسلامي إلى هذا المأزق التاريخي؟.. والذي لا يبرىء ساحة أحد أفتى.. ولا يستثني أحدا أجاز ولم يجز ولو حاولنا العودة إلى التاريخ لنستقرئه.. ونفك رموزه بتتبع تسلسل أحداثه.. سنجد أن الغزو العراقي قد جاء ليمثل للبعض فرصة (تاريخية) ثمينة للنهوض ثانية من ذل الهزيمة الذي لاحقنا حتى في أحلامنا كأمة عربية إسلامية.. منذ حرب يونيو 1967. جاءت جريمة الكويت لتكون كبش فداء لأولئك الذين عجزوا أن يهبوا في وجه عدوهم.. فما كان منهم إلا أن التفتوا ليكيلوا الطعن لصغيرهم.. ولينفسوا قليلاً كرب السنين.. وقهر الرجال.. ليحققوا ما اعتبروه نصراً لمستضعفي الأمة.. ولينفضوا من أكتافهم غبار الحقد الذي أغشى أنظارهم وأعمى قلوبهم.
لم يكن في استطاع التنظيمات الإسلامية تبديد فرصة ثمينة جاء بها الغزو الآثم في غفلة من التاريخ.. تجيز لهم تعديل جوهر النظام السياسي العربي.. وتعينهم من جديد للتحضير للنضال ضد الغرب وإسرائيل.. ولتطبيق مبادئ الإسلام من حيث مبدأ العدالة في التقسيم والتوزيع.. فهبوا.. والإنسانية في سبات عميق.. لينفرط العقد.. وتتسابق حباته إلى أحضان الغرب وإسرائيل!!
فحين وقع الغزو.. وجدت التنظيمات الإسلامية نفسها أمام تحد هائل ومغر في آن واحد.. هائل من حيث أنه تطلب منهم اتخاذ موقف تجاه الأزمة.. باعتبارهم أحد التيارات السياسية في موقع المعارضة.. ومغر من حيث أنها فرصتهم لتوفير مناخ بديل عن النظام العربي القائم والذي أثبت فشله في إدارة الأزمة..
إلا أن التنظيمات الإسلامية وجدت صعوبة في توحيد الموقف تجاه الأزمة.. لا حرصاً على الوقوف بجوار الحق.. وإنما لأن البديل الذي وفرته ظروف الأزمة فكر علماني.. يتمايز تماماً وتقاليدهم وفكرهم الديني.. فكان أن انقسمت الاجتهادات.. ففريق كان يرى أن الأزمة قد خلقت أرضية قوية.. تزيد معها فرصة قيادات التنظيمات الإسلامية عبر امتداداتها الهائلة في الأقطار العربية.. لإدارة الأزمة.. ولتحقيق طموحات سياسية قديمة.. وذلك عن طريق تبني دعوة زعيم النظام العراقي ذات الصبغة الدينية.. أي بالدعوة إلى الجهاد المقدس لاستعادة القدس وللتصدي لقوى الكفر الغازية لبلاد الإسلام، إلا أن ذلك الموقف قد اصطدم وتعارض مع آراء أخرى ترى في ذلك التوجه دعوة للتحالف مع نظام البعث العراقي. بكل ما يعنيه ذلك من تناقض صارخ بين النظام العلماني في العراق.. والنظام الديني الأصولي الذي تعبر عنه التنظيمات الإسلامية.. إلا أن الضرورة السياسية والتي أباحت التلاعب بالقناعات الأخلاقية الدينية.. قد رجحت كفة الرأي الأول. فبالرغم من أن موقف التنظيمات الإسلامية في بداية الغزو كان في الدعوة لانسحاب القوات العراقية من الكويت مقابل انسحاب القوات الأجنبية من أراضي السعودية.. إلا أن ذلك الموقف قد أخذ في التباطؤ بعد فترة وجيزة.. إلى أن أصبح يميل تماماً لصالح المطلب المقابل بالانسحاب الفوري للقوات الأجنبية وبحيث تلاشى معه تماماً المطلب الآخر والذي يقضي بالانسحاب العراقي من الكويت.
نستطيع أن نقول وبكل ثقة.. أننا لا نكيل الظلم.. ولا نسيء الظن.. ولا أسأنا الفهم في التنظيمات الإسلامية حين نتهمها بالتحيز التام لصالح الغدر العراقي ضد الحق الكويتي. فالموقف تجاه الأزمة كان واضحاً وجلياً بأنه لصالح العراق وحلفاء العراق.. وأن الشارع الإسلامي في الوطن العربي قد اتخذ موقفاً أقرب كثيراً لمزاعم العراق منه للحق الكويتي.. بعد أن نجحت تلك التنظيمات وإلى حد كبير في استقطاب الشارع الإسلامي والعربي.. وإثارة مشاعره وحماسه تجاه الغزو الصليبي للأراضي الإسلامية!! لا أحد يستطيع أن ينكر أن الحماس الذي ألهب مشاعر الشارع الإسلامي لنصرة النظام العراقي.. قد أججه تباكي تلك التنظيمات على الانتهاكات التي ترتكب على أرض النبوة من قبل القوات الأجنبية.. إلا أن تلك التنظيمات عجزت عن تكييف تلك الاستجابة من الشارع الإسلامي وتسخيرها لخلق موقف موحد لقياداتها تجاه الأزمة.. مما خلق معه تهديداً بانقسام تلك القوى.
إن فشل القيادات الإسلامية في توحيد الموقف وفي تشخيص وإدارة أزمة الغزو.. بالرغم من كونها أزمة عربية الأطراف.. يثير الشكوك في مدى قدرة تلك القيادات على تنظيم وقيادة الشعوب العربية فيما لو استجاب الله الدعاء.. وتحقق الطموح. جاءت الأزمة بمثابة فرصة للتجربة العملية للقيادات الإسلامية لتثبت مدى قدرتها على قيادة العالم العربي.. وانتهت لتكون دليلاً على فشل تلك القوى في توحيد صفوفها.. ناهيك من حل الأزمات العربية.
لقد كانت النقطة الخلاف طوال أشهر الأزمة هي في إصرار التنظيمات الإسلامية على ضرورة الحل العربي.. في زمن احتضار العروبة.. ثم انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي المقدسة.. على الرغم من كل المحاولات لإقناع القيادات الإسلامية.. بأن الإسلام يُنحر.. والعقيدة تًنتهك في الكويت.. وبأن المجازر لم تغفل طفلاً.. ولا صبياً.. ولا كهلاً.. إلا أن التعنت والإصرار استمرا دائماً على أن يكون الحل عربياً.. وأن ينسحب الأجنبي..
ولأن العروبة كانت صامتة عاجزة عن الفعل.. ولأن الإسلام والعقيدة أصبحاً منصباً.. وبرلماناً.. وسلطة. لا خيراً.. وهدى وإقامة لحدود الله فقد حل الأجنبي أهلاً.. وأقام سهلاً..

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى