شئون عربية

مصير أمة

مصير أمة

أعلن مؤتمر مدريد الذي عقد في أواخر العام 91.. وقف القتال العربي – الإسرائيلي!! وذلك بعد أن عجز العرب عن النيل من الدولة الدخيلة جغرافياً وحضارياً وسياسياً على المنطقة!! وقد جاء الفشل العسكري العربي بعد حروب امتدت على مدى أكثر من أربعة عقود!! لأسباب تتفاوت بين سوء إدارة سياسية.. وقصور في الإدارة العسكرية.. وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بأولويات الصراع.. لدى الأنظمة العربية عموماً!! ومهما كانت الأسباب فالحقيقة القائمة الآن تقول بالفشل العربي الذريع حتى في إعاقة استمرار البناء والتأسيس في الدولة الصهيونية!!
خسر العرب المعركة العسكرية في وجه إسرائيل وقد كانت لهم دائماً أعذارهم في تبرير ذلك.. منها قوة وصلابة البنية العسكرية الإسرائيلية والدعم التكنولوجي العسكري المتواصل لإسرائيل من قبل الغرب.. وتفوق الجيش الإسرائيلي!! وغير ذلك من أمور عسكرية.. يستطيع العالمون ببواطن العمل والاستعداد العسكري أن يفتوا فيه!!
وقد أخذ المواطن العربي ذلك على محمل الجد.. وحاول جاهداً أن يصدق أسطورة التفوق العسكري الإسرائيلي.. مستعيناً بها لتبرير الفشل العسكري العربي!! على الرغم من تراجع تلك الأسطورة بعض الشيء في حرب أكتوبر عام 73!! وانهيارها التام مع تساقط الصواريخ العراقية.. التي أضاءت سماء “تل أبيب“.. وذلك إبان حرب تحرير الوطن!!
وإذا كانت أسطورة التفوق العسكري الإسرائيلي قد ساهمت في شيء.. فإنها ولا شك قد ساهمت في تبرير الكثير من السلبيات في محيط المنطقة العربية.. وبحيث أنصفت كل مقومات القصور فيما يتعلق ببرامج التنمية والإصلاحات في الدول العربية.. بالوجود الصهيوني على الأرض العربية!!
وإذا كان العرب قد خسروا فعلاً التحدي العسكري.. وبغض النظر عن مصداقية الأسباب التي أدت إلى تلك الخسائر!! فإنهم الآن في مواجهة تحد يفوق في تأثيره الآثار العسكرية المدمرة!! وهو تحد يملك فيه العرب من معاول الصراع ما لا يملكه الطرف الآخر.
فتحدي التطبيق العملي لقرارات مؤتمر مدريد.. والذي يقضي بإدراج إسرائيل اقتصادياً وحضارياً وثقافياً في دول المنطقة.. لن يكون مُكلفاً بالنسبة للجانب العربي وكما كان الحال في التحدي العسكري.. فللعرب الغلبة في ذلك ولا شك.. بما يملكون من مقومات اقتصادية وبشرية!!
مؤتمر “الدار البيضاء” الذي انعقد في الأسبوع الماضي والذي طرح مشاريع تصل قيمتها إلى 40 بليون دولار.. في محاولة لإقامة سلسلة من اتفاقات الشراكة والمصالح المشتركة التي ستكون محركاً للسلام!! هذا المؤتمر الذي تفاوتت الآراء حول جدوى آثاره ومردوده الإيجابي على الدول العربية!! قد لا يتجاوز في أثره زيادة نفوذ وترسيخ الهيمنة اليهودية على أسواق المال العالمية.. وامتداد سيطرتها عبر القارات.. من خلال الشركات متعددة الجنسيات!!
إسرائيل بلا شك هي الطرف الأضعف في الصراع المقبل برداء التطبيع.. والعرب يملكون من المقومات الاقتصادية ما يجعلهم يحدون من مخاطر الهيمنة الاسرائيلية على السوق العربية!! تبقى القضية إذن في تعديل وتطوير الممارسات العربية.. التي بدت متفائلة في أن يجلب التطبيع الاقتصادي والثقافي من السلام ما عجزت عنه آلة الحرب والقتال!! فجاءت دعوتها بإنجاح قمة الدار البيضاء.. وكما لو كانت المستفيد الأول!!
اقتصادياً.. إسرائيل ليست عرضاً مغرياً!! فلا موارد طبيعية.. ولا تطور وصناعة تكنولوجية.. ولديها من البطالة ما يجعلها سوقاً محدودة جداً لليد البشرية العاملة.. هذا بالإضافة إلى عنصرية قوانينها التي لا تسهل عملية انتقال اليد العاملة!! ولعلّ في تلك العوامل يكمن الإصرار على ضرورة البدء الفوري في إزالة معوقات الانصهار والتعاون فيما بين إسرائيل وجيرانها!! خاصة أنها بتلك المقومات الاقتصادية المتواضعة.. بقيت إسرائيل عبئاً على الدول الصناعية في التمويل والدعم.. منذ قيامها وحتى الآن!!
لقد خف أو تلاشى عن كاهل الدول الصناعية وبخاصة الولايات المتحدة.. حيث يتعاظم النفوذ الصهيوني عبء دعم الكيان الصهيوني عسكرياً.. ذلك في أعقاب المهادنات العربية الجارية!! التي تسارعت خطاها في أعقاب تحطم التجمع العربي الذي كان بإمكانه أن يشكل تهديداً عسكرياً لإسرائيل!! وأصبحت إسرائيل محصنة ضد أي اعتداء عسكري.. أو حرب عربية!! الآن يجري تحصينها اقتصادياً.. وذلك بتوفير أموالها التي كانت موجهة دائماً لتعزيز قدرتها العسكرية.. ثم بتحويل وإشراف عربي لمشروع إدراجها في الكيان الثقافي والحضاري لدول المنطقة!!
قد لا نكون بحاجة إلى إطلاق شعارات كالتي عهدناها فيما سبق من الزمن!! إلا أننا قطعاً في أمس الحاجة إلى وعي لمخاطر المرحلة المقبلة!! فعلى ضوئها يتشكل مصير أمة وحضارة.. رسخت في التاريخ جذورها.. فهل تطال أفرعها شيئاً من المستقبل؟!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى