شئون عربية

مصالحة في المنطقة الوسطى

“مصالحة.. في المنطقة الوسطى”

في حديث له مع صحيفة “الحياة”.. أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية.. الدكتور عصمت عبدالمجيد.. أن مشروع المصالحة العربية.. الذي طرح في مارس 1993.. لا يزال قائماً.. موضحاً أن مشروع ميثاق الشرف للأمن والتعاون العربي.. ليس بديلاً عن مشروع المصالحة وأن كلا المشروعين يمثلان إطاراً لتجديد العلاقات العربية!!
حديث المصالحة العربية.. أصبح في الآونة الأخيرة من أكثر الأحاديث رواجاً.. سواء على المستوى الرسمي بين الحكومات العربية.. أو على المستوى الإعلامي والصحفي.. حيث نشطت صحف عربية كثيرة في طرح أوجه المصالحة العربية واحتمالات الإصلاح.. وأيضاً على المستوى الشعبي.. حيث تتردد تكهنات مشروع المصالحة في أزقة وشوارع الوطن العربي!!
ليست هذه أول مرة.. يثار فيها حديث عن مصالحة عربية.. بعد طول انقطاع!! فلقد تأرجحت العلاقات العربية – العربية دوماً بين طرفيْ النقيض.. بين القطيعة.. والعودة!! ولعلنا جميعاً في هذا الوطن قد عاصرنا تلك المراحل من التاريخ العربي وعايشنا نزاعاتها ومصالحاتها!! وإن كان لمصالحة التسعينيات وقع وأثر مميز بالنسبة لنا نحن أبناء هذا الوطن.. حيث رسمت أزمتنا مع نظام بغداد تضاريس جديدة للعلاقات العربية. كما ترسم بوادر انفراجها معالم جديدة لجغرافيا العلاقات السياسية العربية مستقبلاً!!
لقد كانت الخصومات العربية – العربية هي الصفة السائدة للعلاقات التي نشأت في أعقاب إضمحلال التهديدات الخارجية.. والهيمنة الاستعمارية!! خاصة بعد أن اتضح معها أن معوقات الاستقرار.. ليست دائماً ذات مصدر خارجي فقط.. وإن تهديدات الأمن في أغلبها ذات منشأ داخلي.. يسيطر على الخارطة العربية بأكملها.. ويتمثل في عجز وفشل الأنظمة السياسية العربية عن النضوج.. والتحول نحو مزيد من الديمقراطية والإيمان بالمشاركة الشعبية.. وبأهمية الفرد كأولى خلايا المجتمع.. سياسياً كان أم مدنياً!!
التحول الديمقراطي.. بلا شك هو المدخل الرئيسي لإملاء واستمرار أية محاولة للمصالحة العربية!! ودون اعتماد ذلك المدخل ستبقى المصالحات العربية.. وكما كانت دوماً.. مجرد إنهاء لخصومات فردية وشخصية بين النخبة أو الصفوة الحاكمة والمسيطرة في كل الأنظمة السياسية العربية!! فالمصالحة بالمعنى المتفق والمتعارف عليه.. تعني عودة العلاقات بين الدول.. بصورة طبيعية تمكنها من التعامل والتعاطف في شتى المجالات!! والدولة ليست نظاماً سياسياً أو حكومة وحسب.. فهنالك أفراد.. وجمعيات وتجمعات سياسية وتكتلات حزبية ورؤى وآراء مختلفة!! وكلها مجتمعة تشكل صورة متكاملة للدولة وللمجتمع.. مما يعني أن أي إجراء أو محاولة للمصالحة.. يستبعد منها هذا الجسم المتكامل للدولة وللمجتمع.. تعتبر إجراءً مؤقتاً سرعان ما تعصف به أهون النسمات!!
ليست هي المرة الأولى التي يتصدع فيها البيت العربي.. وليست أيضاً هي المرة الأولى التي يجتمع فيها الرأي العربي ويُجمع على ضرورة رأب الصدع وإعادة العلاقات.. والمياه العربية إلى مجاريها!! فلقد شهد التاريخ العربي الحديث حالات مشابهة لتفسخ العلاقات العربية.. وانهيار جدار التعاون والتعامل العربي!! أعقبتها مشاريع لم للشمل العربي، وإحياء للعلاقات العربية!! سرعان ما تهاوت وتحطمت تحت وطأة الخلافات.. والتناقضات الراسخة في التكوين السياسي العربي!! وما مساعي المصالحة العربية اليوم.. سوى حالة مشابهة لما سبق من مصالحات، وبالتالي.. فهي إن حدثت ستسير في الاتجاه ذاته نحو إخفاقات يدفع فيها المواطن العربي ثمناً باهظاً من مستقبله ومستقبل أولاده!!
المصالحة.. أياً كانت.. وأياً كان نطاقها ومحيطها تعني أولاً.. تصحيحاً للوضع الذي أودى إلى القطيعة والخلاف.. وإلا عادت الأمور إلى مرحلة التأزم السابق!! والمصالحة العربية لا تختلف عن غيرها في حيوية وأهمية ذلك الشرط الأساسي!! لذا فإن من شروط المصالحة الآن.. خلق أرضية صلبة وقاعدة متماسكة للتعامل العربي – العربي!! ووضع إطار واضح وصريح للعلاقات العربية.. تمر من خلاله كل التعاملات سياسية كانت أم اقتصادية. المطلوب الآن أن تكون علاقات الدول العربية.. لا الحكومات والأنظمة السياسية فيها وحسب.. وفق تعهدات ومواثيق مكتوبة وسارية.. لا معلقة كما هو حال أغلب المواثيق والاتفاقات العربية القائمة الآن، بما فيها جامعة الدول العربية!! المطلوب الآن في المصالحة العربية لكي تكون فاعلة أن تطرح تغييراً وتجديداً للواقع العربي يتم على أساسه فتح صفحات جديدة!!
لا نتوقع أن تطرح المصالحة العربية الجديدة.. واقعاً عربياً مثالياً!! وإنما من حقنا كشعوب أن نطمح في أن نحظى بعقلانية توفر لنا فرصة اللقاء عند منتصف الطريق!! فلقد كانت مشكلة العرب الأساسية فيما مضى.. أن التطرف كان هو السمة البارزة في تحديد أية علاقة.. فإما وحدة اندماجية شاملة.. أو قطيعة وحرب ومعارك إعلامية قاسية!! لم يسع العرب أبداً في تاريخهم الحديث إلى اللقاء في منتصف الطرق.. بل لم يكن هنالك أساساً منطقة وسطى.. فإما أن تكون مع أو ضد.. تلك كانت سمة العلاقات العربية وما زالت!! إلى أن استيقظ العرب يوماً.. ليجدوا أن العراق قد تلاشى واختفى من جغرافية العرب.. وحلت محله إسرائيل (الشقيقة)!!
يقف العالم العربي الآن.. في مواجهة حقيقية وشرسة تهدد كيانه الحضاري.. وثرواته.. ومياهه.. بل ووجوده أساساً!! وهو تهديد يتطلب أولاً وعياً وإدراكاً لتلك المخاطر، ثم استعداداً وعزماً على التصدي لها!! ولن يكون ذلك إلا إذا التقى العرب في منطقة وسطى بين الاندماج.. والقطيعة.. تكون أولى خطواتهم نحو التحول للديمقراطية!! وتوسيع دائرة الدولة.. لتكون حكومة وشعباً.. لا حكومة فقط!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى