شئون عربية

ما أُخذ بالقوة..!

ما أُخذ بالقوة..!

فشل القمة العربية في معالجة الوضع المتفجر في الأراضي المحتلة هو فشل واضح ولا يحتاج إلى تنظير أو تبرير. أما أسبابه فهي الأخرى واضحة ولا تحتاج إلى تذكير. ويكفي ما تابعناه من لقاءات تلفزيونية لبعض الزعماء العرب لندرك في ضوئها أن الخلل ليس في اللقاءات العربية، وإنما هو في طبيعة العرب وتكوينهم السياسي بشكل عام.
فالكوارث والأزمات العربية المتلاحقة ليست وليدة اللحظة ولا الظروف الراهنة، إنما هي نتيجة لتراكمات طويلة وعميقة تمتد بعيداً في تاريخ وجغرافيا الوطن العربي، جعلتنا، أمة وشعوباً وأنظمة سياسية، عاجزين عن معالجة أبسط القضايا والأزمات.
ولعلّ أبرز أمثلة العجز العربي قد جاءت في التعامل مع كارثة غزو النظام العراقي للكويت، حيث أدى ذلك الخلل في تكويننا السياسي إلى عجز الدول العربية عن التعامل مع الكارثة، فكان أن حدث ما حدث، وأصبحنا جميعاً رعايا وقطيعاً لدى دول الغرب.
ومثلما أدى الانشقاق العربي إلى كارثة الغزو العراقي، فإنه الآن يؤدي دوره “التاريخي” في تفريغ المسألة الفلسطينية من بنودها الرئيسية.
دعوة مؤتمر القمة لإنشاء صندوقين لدعم الشعب الفلسطيني تؤكد درجة العجز التي نواجهها كأمة عربية في التعامل مع القضية، ومع أطرافها. فالأموال ليست حلاً للوضع القائم، ولو كانت كذلك لاستطاعت منظمة التحرير الفلسطينية أن تحقق شيئاً عبر تاريخ “نضالها” الذي قارب العقود الأربعة. فالأموال التي بحوزة المنظمة وقادتها تستطيع بناء أحدث وأعتى الجيوش والأسلحة. لكنها عجزت عن الخروج بنصر واحد يتيم، مؤكدة بذلك أن الأزمة ليست في الأموال وإنما هي في النيات وفي العقول والرموز التي تدير جبهة النضال.
لقد خرجت القمة العربية بقرارات نظرية بحتة، قد تنجح في امتصاص بعض من سخط وانتفاضة الشارع العربي، لكنها لن تغير شيئاً من الوضع القائم، بل ولن تساهم حتى في تقوية الطرف العربي في مفاوضات السلام المجمدة نظرياً، وقد تغلق هذه الدولة مكتباً إسرائيلياً، وتقطع تلك الدولة علاقات تجارية، لكن هذا يبقى جهوداً متواضعة ومرحلية مثل كل القرارات والمشاريع والأهداف العربية الأخرى.
إن مشكلة العرب الراهنة أن قادتهم يجتمعون في وقت وفي مرحلة زمنية لا يملكون فيها ما يقدمونه، فقد خسر العرب كل أوراقهم، فبعضها ذهب هدراً في مغامرات مجنونة، والبعض الآخر مرهون فوق طاولات المفاوضات التنازلات!
خيبة الأمل من نتائج مؤتمر القمة العربية كانت واضحة وجلية على وجوه الفلسطينيين في الأرض المحتلة، وهي خيبة أمل قاسية ومحبطة عايشناها نحن في الكويت حين وقف العرب عاجزين عن التعامل مع كارثة الغزو عام 1990.
إن الأسباب التي أجهضت الدور العربي في التعامل مع أزمة الكويت هي الأسباب نفسها التي تقف وراء العجز العربي في التعامل بصدق وبوطنية مع الكارثة التي حلت بالفلسطينيين، منذ أن خان العرب ذمتهم ودنسوا أياديهم بالتآمر على فلسطين وشعبها في حرب 1948.
هناك، ولا شك، عامل مشترك يسيطر على كل الأزمات والكوارث العربية، وما لم يقم العرب بعملية نقد للذات تمس جوهر التناقضات في علاقاتهم ببعضهم، فستستمر الأزمات العربية في التوالد، وسينحدر الوضع العربي من سيئ إلى أسوأ. وستبقى العلاقات العربية موسمية تجمعها أجندات مؤتمرات القمة وقراراتها النظرية، ويبددها تناقض هائل ومخيف في طبيعة التكوين السياسي العربي، لينطبق عليها القول الشائع: إن العرب قد اتفقوا على ألا يتفقوا، ويسقط في خضم تلك الفوضى شعار العرب النضالي “ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة” الذي كان بارزاً في جدارية ظهرت خلف جثة الشهيد محمد الدرة!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى