مؤتمر طهران.. إقليمياً

مؤتمر طهران.. إقليمياً
يأتي مؤتمر القمة الإسلامية في طهران حاملاً معه دلالات ومؤشرات إيجابية وطموحة ستخدم بلا شك المنطقة بأسرها، إذا ما استثمرت بالصورة المطلوبة. ويأتي على رأس تلك المؤشرات توقيت عقد المؤتمر، والذي تزامن مع التصعيد الإسرائيلي المتعنت والعنيف، والتجاهل الكامل لمعادلة الأرض مقابل السالم. كما يحمل مقر المؤتمر دلالة مهمة، حيث لا تزال إيران المعاند الصلب في وجه استهتار ومغالاة الحكومة الإسرائيلية، وعقد مؤتمر القمة الإسلامية الثامن في طهران، خاصة بعد فترة الانغلاق والعزل التي تعرضت لها إيران أثر الحرب العراقية – الإيرانية، يعد بلا شك تسليطاً مباشراً من قبل الدول الإسلامية، والخليجية بشكل خاص على الدور الإيراني في المنطقة.
كذلك جاء الالتزام الكبير بحضور مؤتمر القمة من قبل الدول المشاركة، وأسلوب التمثيل الذي شمل 30 رئيس دولة وحكومة. ليحمل مؤشراً مهماً عن مدى رغبة الدول الإسلامية في التوصل إلى قدر معقول وفعال من التنسيق والتعاون، خاصة في ظل الظروف والتحديات التي تفرضها أحداث ومتغيرات المنطقة بشكل عام.
قد لا يأتي مؤتمر طهران بقرارات جريئة وجديدة تحتاج إليها المنطقة وقضايا المنطقة حالياً. وقد لا يتضمن بيانه الختامي مواقف استثنائية ومبادرات قوية. إلا أن ذلك لا ينفي أهمية المؤتمر ودلالاته ومؤشراته. فعلى الرغم من الصبغة الإسلامية لمؤتمر طهران، إلا أن نفوذ وسيطرة قضايا المنطقة الخليجية بالذات كان أقوى من أن تخطئه العين. حتى لقد كان هنالك تعبير صامت وإن كان جلياً واضحاً عن رغبة دول المنطقة في احتواء تلك الفوضى الإدارية التي اجتاحت المنطقة بأسرها، منذ تفجر الحرب العراقية – الإيرانية.
مؤتمر طهران جاء مؤتمراً خليجياً موسعاً كما يجب أن تكون المؤتمرات الخليجية أساساً، ولعله هنا يطرح تحدياً لمؤتمر القمة الخليجي القادم على أرض الوطن، ويفرض تحديات مباشرة بضرورة البدء فوراً وعلى المستوى الخليجي بأطرافه كلها بإعادة ترتيب للفوضى التي خلفتها قلاقل الحروب والغزو، وفتن العنف والإرهاب.
لقد أكد مؤتمر طهران أن هنالك رغبة لدى الجميع بضرورة البدء بمشروع تفاوضي يضمن للمنطقة هدوءاً واستقراراً، ويطرح معه برامج لإعادة الثقة بين الأطراف كلها. وهو مشروع أساسي في أولويات برنامج احتواء الفوضى في المنطقة.
لقد أملت ظروف سياسية عبرت بها المنطقة، حالات متفاوتة من الاستسلام والانصهار التام في برامج أمن غربية وأمريكية بدأت مع الحذر الذي أبدته دول الخليج في أعقاب الثورة الإيرانية 1979، وما استدعاه ذلك الحذر من تقرب واضح للولايات المتحدة خاصة في المتطلبات الأمنية. وانتهت بالحضور الأمريكي العسكري الدائم في المنطقة بعد غزو النظام العراقي وما تبعه من أحداث.
ولقد خلف ذلك الانصهار الخليجي مع المفهوم الغربي للأمن شرخاً كبيراً في علاقات دول المنطقة ببعضها بعضاً أدى إلى ممارسات إرهابية شهدتها دول المنطقة وكان من تبعاتها تضاعف حدة الشرخ، والتي دفعت إلى المزيد من الانغلاق والعزلة والجفوة بين دول المنطقة.
لا يجادل أحد في أن ذلك قد أفرز وضعاً خاطئاً وشاذاً، أجل مشاريع الاستقرار الحقيقية في المنطقة، وأن كان البعض يرى فيه وضعاً مفروضاً لا خيار فيه، أملته سياسات الآخرين وتهورهم. وأياً كان الأمر فإن ذلك لا يعفي أحداً من مسؤولية المأزق الذي تواجهه دول المنطقة بشكل عام. ولا يعني بالضرورة أن لا حلول أخرى أو بدائل ممكنة.
اليوم وفي ظل تقارب كالذي عكسه مؤتمر طهران الأخير. يعود الأمل من جديد إلى ضرورة القفز فوق تلك الخلافات. لكي يتعين على دول المنطقة أن تلعب دورها خاصة فيما يتعلق بموضوع الأمن. ولعل في الحضور السعودي على وجه الخصوص ما يؤكد أن هنالك دعوة لعقلنة الأمور في سبيل ضمان تعايش سلمي لدول المنطقة وشعوبها.
مؤتمر طهران كان ناجحاً على المستوى الإقليمي أكثر مما هو على المستوى الإسلامي. سنحت فيه الفرصة لإيران أن تعبر عن عزمها الانفتاح على دول الخليج بصورة أكثر حضارية. وأن تنبذ من خلاله رداء العنف والإرهاب الذي طالما التصق بها منذ فجر الثورة الخمينية.
كما أن جزءاً كبيراً من نجاح المؤتمر يعود إلى ما يمثله من تمرد على السياسة الأمريكية في إملاء وصياغة شروط الأمن والاستقرار في المنطقة وللتعنت الإسرائيلي العنيد.
المؤتمر وإن كان قد شكل بداية طموحة لإمكانية مد جسور التعاون والتنسيق بين دول المنطقة بعد سنوات القطيعة والجفوة، فإنه كذلك قد طرح تحدياً لدول المنطقة بضرورة الاستمرار في ذلك النهج التعاوني، في سبيل ضمان مستقبل أفضل للجميع.
ولعلّ في المؤتمر تحدياً واضحاً لمؤتمر القمة الخليجي المزمع عقده في الكويت في الشهر المقبل. حول ضرورة الخروج من دائرة الرمزية والايحاء في القرارات، والبدء بالتعامل مع القضايا المنطقة ودولها بصورة أكثر واقعية ونضجاً!!

