ليلة العندليب

ليلة العندليب
كانت ليلة من ليالي استحضار الفن الجميل، ليلة العندليب (عبدالحليم حافظ)، التي احتضنتها دار الأوبرا في الكويت، في إحدى قاعاتها الخلابة بتضاريسها الجمالية المتقنة الإبداع.
كعادتها، تتحفنا قاعات الأوبرا بقيادة المايسترو الإداري الأخ فيصل خاجة بمواسم فنية مختلفة، فتمد جسوراً نعبر من خلالها إلى آفاق ثقافية وفنية تنقلنا بين ثقافات العالم وفنونه، وهذه المرة امتد بنا الجسر إلى لقاء السحاب مع واحد من أشهر رموز الغناء والفن في العالم العربي، “عبدالحليم حافظ” أو العندليب الأسمر، الذي أسر بصوته وغنائه آذان وقلوب ملايين العرب طوال ربع قرن شكّلت مسيرته الفنية ليثري بذلك الفن والغناء العربي بما يعادل الـ120 أغنية عاطفية، و56 أغنية وطنية و16 فيلماً، خلّدتها جميعاً ذاكرة الفن العربي الأصيل، وقد كان للكويت نصيب من إبداع العندليب، حيث غنى من ألحان عبدالحميد السيد وكلمات وليد جعفر أغنيته الشهيرة “يا هلي”، ليتبعها بعدة أغانٍ وطنية في أعياد [wiki base="AR" thumbnail="on"]الكويت.
بعد أكثر من أربعة عقود على غياب العندليب، نتساءل دائماً: لماذا لا تتكرر الظاهرة؟ وهل عقِمَ الرحم الفني العربي عن إنجاب أصوات بحجم وإبداع عمالقة الزمن الجميل؟ وهنا قد نتحدث عن أكثر من سبب لذلك، أهمها أن الجمهور تغيّر، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تتغير السلعة معه، إيقاع الحياة كذلك تغير، أصبح أكثر سرعة وصخباً وضجيجاً، وبالتالي فقد خرجت الموسيقى الأكثر إيقاعاً والأشد ضجيجاً لتصبح هي السلعة المفضلة لدى جمهور أصبح يلهث وراء لا شيء!
التكنولوجيا هي الأخرى لعبت دورها في هذا التغيّر الكبير في الذوق الموسيقي، وقد جاءت البداية منذ عصر الانتقال من الراديو إلى التلفزيون، حتى وصلنا اليوم إلى عصر اليوتيوب وغيره، لكن على الرغم من كل احتمالات التغيير هذه، التي قد تكون أصابت الأذن الموسيقية العربية، فإن الحضور الشبابي اللافت في “ليلة العندليب” يؤكد أن ثقافة الحب الشبابية التي تُشيعها أغاني عبدالحليم حافظ لا تزال تلامس قلوب ومسامع وأذواق شباب اليوم.
كانت صور “غيفارا” و”عبدالحليم حافظ” تتزين بها غرف أغلبية الشباب من جيل السبعينيات، فقد كان كلا العلمين يحمل رمزاً في وعي شباب تلك الحقبة، “غيفارا” رمز النضال والحرية والكرامة، و”عبدالحليم” رمز الحب والانطلاقة والتحليق في سماء المشاعر الحالمة، فكل الشكر للمايسترو فيصل خاجة على اختياراته المبدعة، وكل الثناء لمحمد الحلو، وأحمد عفت، ومحمد المطيري، الذين أحيوا فينا ليلة جميلة من ليالي “العندليب الأسمر”.
