لا حرب دون مصر

لا حرب دون مصر
مصر هي “أم العرب”.. قبل أن تكون “أم الدنيا”.. وفقاً للمثل والقول الشائع!! تلك حقيقة يدركها العدو قبل الصديق.. ويتعامل الجميع وفقاً لإملاءاتها وشروطها!! لذا فإنه من الطبيعي جداً أن يبدأ مشوار السلام العربي – الإسرائيلي من مصر.. ليتشكل أول معالمه من خلال اتفاقية “كامب ديفيد” الشهيرة!!
غير أن باب السلام.. الذي فتح في مصر.. لن يتم إغلاقه في مصر كذلك!! وهو أمر أصبحت تدركه مصر جيداً مع تطور الوضع في مشوار السلام العربي – الإسرائيلي.. وتخشاه!! فلقد حذرت صحيفة “إيجبشيان غازيت” المصرية – التي تصدر باللغة الإنكليزية – الملك حسين من أي محاولة تهميش لدور مصر خلال المؤتمر الاقتصادي الذي سيعقد في عمّان.. لأن مصيرها الفشل.. وأضافت أن تنمية الشرق الأوسط لن تتم عبر التحالف مع تل أبيب أو واشنطن بل يجب أن تمر عبر أرض الأهرام والنيل!!
مما لا شك فيه أن هنالك محاولات قائمة لتهميش دور مصر الريادي في المنطقة.. مقابل تصاعد الدور الصهيوني.. خاصة في جانبه الاقتصادي والتنموي!! وبدون الدخول في جدل نظرية المؤامرة.. وعما إذا كانت هنالك مؤامرة غربية تحاك ضد مصر لتهميش دورها في المنطقة أم لا!! فإن مساعي واشنطن فيما بعد توقيع اتفاق غزة – أريحا.. لا يمكن تفسيرها بغير ذلك!! بل لقد أكد البروفيسور “ريموند هاينبوش” المحاضر في كلية سانت كاترين في ولاية ميسوتا الأمريكية وذلك خلال ندوة عقدها “مركز البحوث والدراسات” في جامعة القاهرة في عام 1992.. قائلاً “إن أمريكا غير راغبة في أن ترى مصر في موقع قيادي في الإقليم، إذ سيؤدي ذلك إلى تغيير نمط العلاقة إلى نوع أكبر من المشاركة.. وهذا سيؤدي إلى مشاكل للولايات المتحدة.
الدور المصري في المنطقة العربية.. في طور التراجع.. ليس في ذلك شك!! وقد استشعر المتابعون للوضع ذلك التراجع.. من خلال تقلص الدور المصري في أعقاب أزمة الخليج الثانية.. وبدء مسيرة السلام العربية – الإسرائيلية.. سواء من خلال فشل “إعلان دمشق”.. أو من خلال الاتصال المباشر بين الدول العربية وإسرائيل دون العبور بمصر!! وهو تراجع يفرضه الواقع الاقتصادي المتردي في مصر.. وهيمنة عناصر الفساد فيه.. والتي أصبحت تنذر بكارثة تهدد كيان الدولة والمجتمع في مصر!!
العامل الاقتصادي إذن هو من أهم المعوقات لمصر!! فالريادة تتطلب اكتفاء وقدرة!! والعاجز اقتصادياً يكون دائماً مضطراً للتنازل والتراجع.. لا للقيادة والمبادرة!!
غير أنه.. وبالرغم من أهمية وحساسية الوضع الاقتصادي للدولة القائد!! فإن الوضع والمناخ السياسي العربي إجمالاً.. يدفع إلى تقليص الدور المصري بشكل خاص!! فبعد أن فقد العرب زمام المبادرة.. وذلك مع تطورات مشروع السلام العربي – الإسرائيلي!! فإن حالة من الركود.. واللاقرار أصبحت مهيمنة وبشكل واضح على المحيط العربي بأكمله!! تضاءلت معها الحاجة إلى زعامة أو قيادة!! خاصة أن المبادرة هي أبرز سمات القيادة!! وفقدان العرب زمام المبادرة.. يجعلهم أقل إدراكاً ووعياً لمخاطر التراجع والتهميش للدور المصري!!
لقد كان لمصر دوماً زمام المبادرة.. فقد كانت طرفاً أساسياً في أغلب حركات التحرر العربية!! كما كان لها شرف خط الدفاع الأول.. وكذلك الهجوم في كل حروب العرب ضد الكيان الصهيوني!! حتى لقد ساد القول إنه لا حرب دون مصر!! الآن وفي زمن السلم.. اختلف نصيب مصر في الزعامة والريادة.. وأصبحت طرفاً في التوازنات الإقليمية.. لا أساساً لها!!
تراجع الدور المصري إذن.. هو من ملحقات مشروع السلام العربي – الإسرائيلي!! فالسلام يعني الاستقرار.. والاستقرار في أدق معانيه يعني خلق مناخ من التوازنات يطيح بأية محاولة لشن هجوم أو حرب!! ومصر كانت تحمل زمام المبادرة في كل الحروب العربية ضد الكيان الصهيوني!! فجاء “كامب ديفيد” ليخرجها من الحسابات الإسرائيلية.. وأيضاً ليجردها من الزعامة بعد أن أبعدها عن المسرح العربي.. في أدق وأحلك مراحله!!
لكي تعود مصر إلى واجهة الزعامة والقيادة.. وهو مطلب عربي.. لا مصري وحسب!! عليها أولاً أن تستعيد زمام المبادرة.. وأن يتوافر لديها ما تقدمه للساحة العربية!! لكي تعود مصر.. عليها أولاً.. أن تكون نموذجاً للاستقرار تتطلع إلى الأخذ به سائر الدول العربية.. تعود معه المبادرة إلى مصر!! والاستقرار لا يكون إلا بخلق نظام ديمقراطي متكامل.. وترسيخ دولة القانون!! ليكونا مدخلاً لإصلاح اقتصادي تستعيد معه مصر مكانتها التاريخية!! لقد حملت مصر دوماً زمام المبادرة العسكرية في حروب العرب ضد الكيان الصهيوني!! وعليها الآن أن تجيد فن المبادرة التنموية.. في سلام العرب ضد الكيان ذاته!!

