قضية فلسطين.. وحرية الصحافة في الغرب

قضية فلسطين.. وحرية الصحافة في الغرب
غرّد الصحافي البريطاني ريتشارد ميدهيرست، بعد اعتقاله في مطار هيثرو، قائلاً: كان 6 من ضباط الشرطة ينتظرونني عند مدخل الطائرة، وتم إبقائي 24 ساعة تقريباً، وتم استجوابي. أعتقد أنني أول صحافي يتم القبض عليه بموجب هذا البند من قانون الإرهاب، وأشعر بأن هذا اضطهاد سياسي ويعيق قدراتي على العمل الصحافي” (انتهت التغريدة هنا)، أما قانون الإرهاب، الذي تحدّث عنه ريتشارد ميدهيرست، فقد وصفه بأنه لا يسعى لمكافحة الإرهاب الحقيقي، بل لمكافحة الصحافة، وخير دليل هنا، أن إدانته جاءت بسبب حديثه عن فلسطين، حيث اتُّهِم بالتعبير عن آراء تدعم منظمة تُصنَّف بأنها إرهابية. وبالإضافة إلى ما حدث مع هذا الصحافي البريطاني، يأتي القبض على مؤسس تليغرام في فرنسا، بسبب رفضه طلب إسرائيل بفرض الرقابة على هذا التطبيق الشهير، ليُشكّل منعطفاً خطيراً تواجهه الصحافة في العالم كله، وليس في عالمنا العربي وحسب.
حرية الصحافة تعني مباشرة الممارسة الحرة للاتصال والتواصل والتعبير عن الرأي، من خلال كل وسائل الإعلام المُتاحة، وهي كحرية، شأنها شأن سائر الحريات، تعرّضت وتتعرّض للعديد من القيود، التي تتفاوت درجاتها بحسب الموقع الجغرافي والسياسي، لكنها بقيت وتبقى معياراً مُعتَمَداً لرصد وتقييم درجة تقدّم وتحضّر وديمقراطية الدول والمجتمعات، لذلك شملها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ووردت كمادة أساسية في كل الدساتير، وأصبحت لها مقاييس، يتم من خلالها تصنيف الدول بكونها حرة أو حرة جزئياً أو غير حرة.
تأتي حرية الصحافة كواحدة من ضحايا الحروب والنزاعات، فالصحافي يُعتبر شاهداً مباشراً، وليس فقط ناقلاً للخبر، لذلك فقد أصبح في الحرب على غزة هدفاً مُباحاً لآلة الإجرام الإسرائيلية، حيث تمت تصفية أكثر من مئة صحافي في هذه الحرب في واحدة من أعنف الهجمات والانتهاكات المباشرة على حرية الصحافة، وأصبحت معها سترة الصحافة الشهيرة مرمى لآلة الحرب المروعة.
للأسف لم تعد الصحافة السُّلطة الرابعة في الدول الديمقراطية “العريقة”، فبعد أن كنا نرثي حظنا في العالم العربي على تدني نفوذ وقوة هذه السلطة ودرجة حصانتها، أصبح العالم “المُتقدّم” ينافسنا في هكذا سلوك، فأصبح الإعلاميون والصحافيون في دول، كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، يتعرّضون لانتهاكات ومحاولات قمع للصوت الحر.
الصحافة اليوم تشعّبت وخرجت عن إطارها التقليدي مع سيطرة تكنولوجيا المعلومات وأدوات التواصل، ومع ذلك بقيت أدوات ملاحقتها وقمعها على حالها، بل وبصورة ساذجة في أحيان كثيرة.
وما حادثتا الصحافي البريطاني ريتشارد ميدهيرست ومؤسس تليغرام، إلا دليل على ذلك. فكلتا الحادثتين أخذتا بُعداً إعلامياً بعيداً عن الرقابة التقليدية، وجاء التفاعل العالمي معهما مضاعفاً، تماماً كما جاء التفاعل العالمي مع قتل الصحافيين في غزة، حيث قامت مواقع حرة، تعنى بحرية الرأي والصحافة، برصد وإعداد التقارير وبثّها، مدافعة عن حرية الصحافة وحق الصحافيين في نقل وبث الخبر من دون خوف من الانتقام، أو الاتهام بأنهم إرهابيون أو داعمون للإرهاب.
لقد تم تخصيص يوم عالمي لحرية الصحافة تأكيداً لدور الإعلام الحر في ترسيخ الحوار والاحترام بين الناس وبشكل بنّاء يعزز التعاون لا الكراهية، فحرية الصحافة تُعتبر عموداً أساسياً من أعمدة حقوق الإنسان، التي اتفق العالم كله على احترامها، كما أنها تُشكّل رافداً مهماً للمؤسسات الديمقراطية، لكنها تراجعت وبشكل مخيف وخطير حتى في الدول “المتقدمة”، وهو ما دعا منظمة “مراسلون بلا حدود” إلى التحذير من أن ظروف مُمارَسَة الصحافة سيّئة في نحو ثلاثة أرباع دول العالم، وبشكل جعلها أحياناً تُشكّل جريمة تستحق العقوبة، وليست مهنة سامية ونبيلة.
