قانون الرأسمالية دعه يعمل ده يمر

قانون الرأسمالية: دعه يعمل.. ده يمر
منذ أواسط الأربعينيات وحتى فجر التسعينيات حَكَمَت وتحكّمَت في العالم قوتان متكافئتان هما الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، لينهار الاتحاد السوفيتي ويتفكك فيما بعد عام 1991، تاركاً الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في عالم أصبح أحادي القطب بعد أن كان ثنائياً.
وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول أي من النظامين يحظى بأفضلية، فإن التوازن آنذاك بين اقتصاد اشتراكي قائم على إنتاج السلع والخدمات مباشرة للاستخدام، وبين اقتصاد رأسمالي يتم فيه إنتاج السلع لتحقيق الربح، وبالتالي بشكل غير مباشر، للاستخدام، بين اقتصاد يدعو إلى المُلكية العامة لوسائل الإنتاج، واقتصاد تكون فيه جميع عناصر الإنتاج مُلكية خاصة، نقول بين اقتصادين متباينين هكذا، كان العالم يعيش في توازن معقول، غير أن انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط مشروعه الاقتصادي القائم على المُلكية العامة، حوّل العالم بأسره إلى نظام رأسمالي بحت، بدأت معه المُلكية الخاصة في الصعود، وبدأت بذلك الشركات الضخمة والعملاقة في إدارة العالم بدلاً من الأنظمة السياسية الرسمية.
مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات تضاعف نفوذ الشركات العملاقة المتعدّدة الجنسيات وبدأت في غزو أوروبا، فكان نصيب بريطانيا (العظمى) وافراً هنا، حيث ظهر مشروع تاتشر – ريغان آنذاك لخصخصة القطاع العام، مع كل ما نتج عنه فيما بعد من غلاء وتردٍ في الخدمات العامة.
في تلك الحقبة ظهرت مُفرَدَة “أمركة العالم”، في إشارة إلى غزو الشركات الأمريكية الكبرى للعالم، تطورت المُفرَدة فيما بعد وتحولت من أمركة إلى عولمة، لكن بقي الهدف واحداً، هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات على اقتصاد العالم، لتصبح فيما بعد القوة المُحرّكة في النظام الاقتصادي والسياسي الدولي، وبإمكانات مادية وبشرية هائلة وبنفوذ يربط شرق الكرة الأرضية بغربها، وشمالها بجنوبها.
اليوم وفي ظل نفوذ اقتصادي رأسمالي يتم فيه تقييم البشر وفقاً لمقدرتهم الشرائية واعتبارهم سلعاً كسائر السلع الاستهلاكية، تقود العالم وتديره شركات عملاقة عدة، تتحكم في الإعلام، والسياسة، والاقتصاد، العام والخاص، والمواقف السياسية والأنظمة والمنظمات الدولية والعلاقات الاجتماعية وكل شيء.
شركات بلا مواقع جغرافية مُحدّدة، ولا أعلام ولا نشيد وطني، بل فقط من خلال أصول وأموال وعقار وبورصة وأسهم وعملات بعضها افتراضي وبعضها محسوس، شركات، مثل آبل، ومايكروسوفت، وأمازون، وتسلا، وغوغل، ونستله، وكوكا كولا، وغيرها، هؤلاء من يملك الجيوش التي أصبح أغلبها مرتزقة يَتَلقّون رواتبهم من شركات ضخمة مُتعدّدة الجنسيات، وهم من يملك كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وشركات الإعلان، بمعنى آخر، اليوم هذه الشركات هي من يملك العالم بأسره، وبالتالي هي من يديره ويَحكُمَهُ ويتحكّم به، ومن يتصوّر غير ذلك فهو إما غافل أو متجاهل.
اليوم الرأسمالية هي التي انتصرت، ومعها انتصرت كل قيمها بالتبعية، لتترسخ معها فكرة الإنسان السوبر في كل شيء، سوبر في العلامات التجارية، وسوبر في الهامبورغر والوجبات السريعة، وسوبر في القنابل الموجّهَة، ومعهم يترسّخ القانون الأول للرأسمالية: “دعه يعمل، دعه يمر” أو بمعنى آخر البقاء فقط للأقوى في كل شيء، بالمال، بالسلاح، بالسلطة، بالنفوذ، أما الغير فهم لا يتعدّون عن كونهم سلعاً قابلة للبيع والمبادلة، بما في ذلك أنظمة سياسية تصورناها قوية وذات سلطة ونفوذ، فإذا بها خاضعة لقانون تسلا وتويتر وغيرهما.



