في توافق الأضداد.. سر الوجود

في توافق الأضداد.. سر الوجود
تابعت كما تابع غيري مناقشة الكاتب خليل علي حيدر، المنشورة في مقالين متتاليين بجريدة “الوطن”.. للمحاضرة التي ألقاها الدكتور عبدالله النفيسي وناقش فيها بعض القضايا الساخنة، بما فيها قضية السلام في الشرق الأوسط، والعلاقات الأمريكية.. الخليجية، والدور الإيراني.. ومستقبل دول الخليج!!
وعلى الرغم من أن المسائل التي أثيرت، سواء في محاضرة الدكتور النفيسي أو في رد الكاتب خليل حيدر.. قد أصبحت حديث كل يوم.. إلا أن ما استرعى الانتباه في حوار الطرفين.. ليس أمراً يتعلق بماهية الحوار وموضوعه.. بقدر ما هو بأسلوب الحوار ومرماه!! وهو أسلوب أصبح غالباً ومسيطراً على أغلب حواراتنا في أعقاب كارثة الوطن!! حيث تغلب العنف في الحوار.. وسيطرت الازدواجية في الرأي والموقف!! فلم يعد أحد منا يعرف.. أو إذا توخينا الدقة يعترف أين يقف!! وشحذنا جميعاً سلاح التمويه.. لتبرير آراء نخجل من الاعتراف بها.. وأغراض نسعى جاهدين إلى تجاهل عائدها الشخصي المحدود!! فأصبح الليبرالي المتحمس.. يتحدث في قبول قضايا كالحد من الاختلاط.. وشرعية ذبح الدجاج.. بكونها تقاليد (غير مؤذية) لا تتجاوز التمسك بتقاليد الماضي!! والحنين إلى مواريث الأجداد!! وغدا بعض المتأسلمين المتزمتين.. يفتي في شرعية الصلح مع اليهود.. بكونه أخف الضررين.. ويتذرع بالتسامح الديني.. إذا ما عجز عن المواجهة.. والحسم!!
نحن جميعاً، شأننا شأن أي جماعة من البشر نقتسم أرضاً.. وثروة.. وثقافة وتاريخاً.. ومما هو من مقومات قيام المجتمع ونشأته، نسعى إلى إقامة مجتمع متكامل!! وما قضايا الحوار.. والمداخلات بين أفراد الوطن.. سوى تعبير عن أحد الأساليب الكثيرة.. والتي تسعى إليها المجتمعات في طريقها إلى تحقيق تكامل يكفل استقراراً وعيشاً أفضل!! والتكامل الذي ينشده المجتمع البشري عادة هو الوجه الآخر للتصارع والتعارض داخل المجتمع وبين أفراده!! وذلك حقيقة حرصت المجتمعات البشرية على الأخذ بها في نموها نحو التكامل!! وذلك بتأطير قواعد الصراع داخلها.. وتحديد معالم التصارعات خاصة بعد أن أدرك البشر نظرياً وعملياً، أنه لا وجود لمجتمع دون تعارضات وصراعات!! وإن الصراع يولد التكامل ولا يشوهه أو يعيقه!! وإنما هي محاولات التمويه.. التي تسيطر في المجتمعات غير المتكاملة لأسباب تتفاوت بين شح في الحرية، وخلل في الممارسة الديمقراطية الصحيحة.. ونقص في الوعي والنضج السياسي والاجتماعي!!
نعود قليلاً إلى حوار الدكتور عبدالله النفيسي والكاتب خليل علي حيدر، والذي ركز في محتواه.. على الجدلية القائمة، ومنذ كارثة الوطن، على حقيقة الموقف الغربي وبخاصة الأمريكي مما حدث، وموقف الدول التي آزرت غزو الوطن وبخاصة الحركات الإسلامية.. كذلك السياسات الإيرانية والشؤون العراقية!! لنجد مدى حدة التمويه التي نزاولها جميعاً، وليس الدكتور “النفيسي” والكاتب حيدر وحسب!! حيث احتللنا جميعاً مواقف وسطى.. تكفينا عناء الفتن والتصارع.. والجدل!! لكنها تحيطنا بتكامل وهمي، تسيطر فيه الصراعات الجانبية والهامشية.. والتي هي غالباً ما تكون غطاء لتعارضات حادة!!
فكما برر البعض غزو الوطن واحتلاله وانتهاك حرمته بكونه (حاجة قومية) وحقاً مستعاداً.. بررنا نحن الصراع العراقي – الإيراني بكونه حصناً (لبوابتنا القومية) ومجازر الأكراد.. واستباحة “المحمرة”.. بأنها من متطلبات الحروب وعوائدها التي لا مفر منها.. على الرغم من أن كلتا الحالتين نعد صورة مكررة للانتهاك والاستباحة والعنف!! وبينما باركنا الهيمنة الأمريكية والسيطرة الغربية على موارد النفط!! نددنا بمحاولات الهيمنة العراقية على نفط الخليج والتي كانت تهدد المنطقة في أعقاب غزو الوطن!! وبينما نددنا بموقف الجماعات الإسلامية تجاه كارثة الوطن تخاذلنا حتى عن التنديد بمواقف الجماعات ذاتها فيما يحدث من عنف وقتل وإرهاب في دول عربية أخرى!! فعمدنا دوماً إلى التمسك بأمثلة لعناوين رئيسية.. كالهيمنة.. والعنف.. والتوسع والاحتلال.. تخفيها خلف ازدواجيتنا في التعبير والاعتراف.
قد يكون من الصعب جداً الآن أن نجد تشابهاً بين هيمنة أمريكية وأخرى عراقية على المنطقة! فلا يزال الجرح بعد غائراً!! تماماً مثلما يعجز البعض إلا أن يحيط ويلف الغزو البربري بثوب أيديولوجي قومي!! في حين يندد بالاحتلال الإسرائيلي والعنف اليهودي!! كذلك لا نزال عاجزين عن رؤية التشابه بين الظروف التي أدت إلى احتلال الوطن.. والتي أدت وتؤدي إلى بقاء الأوضاع كما هي سواء في العراق أو إيران!! وبالفعل فقد يكون من الصعب أن نجد العلاقة في قضايا نحرص على أن نوردها متعارضة متباينة!! طالما أن ذلك يعفينا من الخوض في طريق النزاعات السياسية.. المليء بالجثث والدماء!! غير أنه بالتأكيد لن يقودنا إلى تكامل مجتمعي دائم!!
قد لا يخفى على متابع أو معايش لأوضاع المنطقة حاجتنا إلى بلورة حقيقية لأوجه الصراع الكامنة فيما بيننا أفراداً وأحزاباً وجماعات ودولاً!! لتأتي البداية أولاً بتأطير التضاد فيما بيننا، وتنظيم أساليب التعبير عنه، ليقودنا إلى تكامل حقيقي، حتى لا يطغى التكامل الوهمي!! خاصة وأن الصراع لا يزيله التمويه وإنما يزول بنمو التضاد والتعارض.. في مناخ حر وصحيح وصحي يدفع إلى نظام اجتماعي وسياسي سليم!! عندها فقط يأتي التوافق وفي توافق الأضداد سر الوجود!!
