شئون عربية

في البدء كانت مصر

“في البدء.. كانت مصر”

لا نستطيع أن نعتبر أزمة الصحافيين المصريين الأخيرة مع الحكومة المصرية.. شأناً داخلياً يخص مصر كدولة.. أو الصحافة المصرية كأداة لنشر الوعي والثقافة.. والوطنية.. وغير ذلك من واجبات تتحملها الصحافة كمهنة بشكل عام!!
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتجاهل أبعاد تلك الأزمة.. وتأثيرها في الواقع الثقافي.. العربي.. وذلك يعود ولا شك إلى أسباب عديدة!!
فمصر أولاً.. كانت وستبقى ملاذاً للعرب!! لها دورها القومي.. والريادي في الزعامة والقيادة العربية!
ومصر ثانياً.. كانت وستبقى.. البقعة التي انطلقت منها أعنف ثورات الرأي.. وخرج من بين مثقفيها أبرز رواد الصحافة العربية!!
ومصر ثالثاً.. مرآة تعكس كل جوانب الحياة العربية.. وتنعكس عليها كل القضايا.. والمشاكل التي تؤرق وتشغل المجتمع العربي في كل مكان!!
تلك كانت نبذة يسيرة عن المكانة التي تحتلها مصر كدولة في قلب الكيان العربي!! أما فيما يتعلق بالدور البارز للصحافة المصرية وللمكانة التي تحتلها هذه الصحافة في سبيل إثراء الحس الثقافي والحضاري العربي.. فتلك قضية نتركها مفتوحة للإحصاءات التي بحوزتها أرقام عن الصحف والمجلات المصرية المقروءة في عالمنا العربي على طول امتداده!!
وعلى الرغم من المظاهرة الهجومية التي شنتها الصحف المصرية على قانون النشر الجديد.. والتي يقع أغلبها تحت طائلة العقاب وفقاً لنصوص القانون الجديد.. إلا أنه لم يتم إلى الآن إقامة أي دعوى قضائية ضد أي من هؤلاء الصحفيين!! وكأن الحكومة تريد بذلك أن تؤكد ما قالته بأن القانون سيطبق في حالات الضرورة القصوى التي تمثل إضراراً بأمن البلاد!! قد يكون من حق مصر.. كدولة أن تنتهج أسلوباً خاصاً وملائماً لها في تحقيق أمنها واستقرارها وإن كان ليس من حقها التخلي عن دور الزعامة والقيادة.. والملاذ للأمة العربية!! وهو دور فرضته ظروف عديدة.. ولا يمكن أن يكون دون أن تكون مصر رائدة في تدعيم الديمقراطية والحرية.. صحفية كانت أم سياسية!!
البعض انتحل للقرار المصري بفرض قانون النشر الجديد.. صفة شرعية.. وذلك بتصويره كقانون يهدف إلى محاصرة إعلام التطرف والإرهاب!! والذي يرى البعض أنه قد ساعد على بذر العنف وتبريره!! وهو أمر قد لا يخلو من الحقيقة.. خاصة بعد الدور الذي لعبته بعض صحف المعارضة المؤازرة لدوافع العمليات الإرهابية التي شهدتها الساحة المصرية.. وذلك بانتهاجها سياسة إعلامية مروجة لأطروحات الفكر المتطرف الداعي إلى تكفير المجتمع.. والتنديد بالحريات الفردية!!
لكنها وإن كانت حقيقة.. فإنها لا تعتبر مبرراً لقانون يكبت حرية الفكر والتي بإمكانها أن تتسع – اعتماداً على ذات القانون – لتشمل حريات أخرى!! كما أنها لا تعتبر أسلوباً صحيحاً للتعامل مع الفكر المتطرف!! فالعنف في المجابهة قد أعطى نتائجه السلبية.. مما نشهده في مصر.. والجزائر كمثالين بارزين.. حيث جاءت خسائر كل الأطراف جسيمة.. وذلك من خلال العنف الجسدي المتمثل في المجابهات العسكرية التي حدثت في الأعوام السابقة.. في محاولة التصدي للعمليات الإرهابية!! لقد أقلق الإرهاب في مصر.. المواطن العربي أياً كان انتماؤه.. وذلك بلا شك يقينا منه أن في مصر تكون كل البدايات!! فلقد خرجت النهضة التعليمية من مصر.. وانطلقت حركات التصحيح والثورات من أرضها وجلس متفاوضو السلام أول ما جلسوا في مصر.. وانفك الرباط العربي.. وتشتت الجمع العربي.. حين قوطعت مصر!! بل وحاولت دول أخرى.. أن تسرق مقعد الزعامة الشاغر آنذاك.. فعجزت وبقي شاغراً إلى أن عاد إلى مصر!! حين تجمعت فلول العرب في مصر لمواجهة أولى محطات النزاع الداخلي.. فخرج أول التنديدات بغزو النظام العراقي للوطن.. من قلب القاهرة!!
لم يغب عن الذهن العربي.. ولو لمرة واحدة في تاريخه الحديث.. حقيقة الدور الذي تلعبه مصر في قلب الكيان والوجود العربي!! وهي حقيقة ازدادت عمقاً في أعقاب التطورات التي شهدتها المنطقة العربية من هزيمة الخامس من يونيو 1967، في مواجهة العدو الصهيوني.. إلى هزيمة الغرب للعرب في غزو النظام العراقي للوطن!!
وقد بدأ العرب في إعادة بناء البيت المصري.. فأسقطت الديون.. وبدأت المساهمات الفعلية من خلال شركات عربية كثيرة أصبحت طرفاً في أعمال كثيرة داخل مصر!! فالزعامة لا تكون إلا بعافية وصحة جيدة!! خاصة أن تدهور الصحة المصرية.. قد أدى من قبل إلى تدهور عام في الصحة العربية!! وما الإرهاب والعنف الذي اجتاح مصر.. سوى تدهور في العافية الاقتصادية.. دفعت فيه الجزائر كثيراً.. وندفع جميعاً حصتنا منه!! لنتيقن بذلك أن مظاهرة الصحافيين الأخيرة في مصر.. في وجه قانون النشر الجديد.. هي تظاهرتنا جميعاً خاصة وأن المنطق الذي يرى في أن البدايات كانت من مصر.. هو المنطق ذاته الذي يرى في النهايات قدراً مشابهاً!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى