رثائيات

في أمان الله.. بو عدنان

في أمان الله.. بو عدنان

اعتدت ومنذ بدايتي مع القبس، والتي تجاوزت ربع قرن، أن أتوقف عن الكتابة في شهري يوليو وأغسطس، وغالباً ما كانت تحدث خلال هذين الشهرين أحداث ساخنة، كنت دائماً ما أوجزها في مقال إثر عودتي!
لكن حين رحل الكبير عبدالحسين عبدالرضا، وأبلغني الزميل العزيز جمال حسين من القبس، بضرورة أن أساهم في موج الرثاء الهادر في الفقيد الكبير والذي اجتاح كل القلوب العربية وليس الكويتية وحسب، أحسست بمدى قصور “المقال” عن التفاعل مع الحدث مقارنة بالخبر الصحافي السريع!
لم أكتب حينها لأن التغطية والرثاء كانا فوق كل التصوّرات، لكن جرح غياب هذه القامة الفنية الشامخة سيبقى مفتوحاً دائماً لرثاء وحزن متواصلين!
طوال تصفّحي المنتديات والصحف أثناء إجازتي الصيفية، كان السؤال المُلح حول أسباب مثل ذلك التفاعل غير المسبوق لغياب الكبير عبد الحسين عبد الرضا! وعما إذا كان فنه هو الدافع وراء ذلك التفاعل أم أن هناك أسباباً أكبر وأكثر وقعاً، كشفها غياب “أبوعدنان”؟!
عبدالحسين عبدالرضا من الكويت، ومعه كبار، مثل: عبدالمنعم مدبولي (من مصر)، ونهاد قلعي (من سوريا)، وجعفر السعدي (من العراق)، والقصبي (من السعودية)، انتشلوا بلا شك الكوميديا العربية من بؤرة التهريج والترفيه الهامشي إلى هامة التصدي لقضايا المجتمع ومشاكله؛ اجتماعيةً كانت أو سياسيةً! تصدوا لقضايا لم يعالجها ولم يتطرق إليها مثقفون، كثيراً ما لجأنا إلى كتاباتهم لنعرف كُنه الأحداث وحقيقة مجريات الأمور! وبينما خذلنا هؤلاء المثقفون، استطاع “أبوعدنان” والقامات الكبيرة معه، أن يؤرخوا، وبشكل خالد، كل القضايا التي مرت بها المنطقة، بل وخلقوا وحدة عربية حقيقية من خلال ما كان يعكسه فنّهم الراقي من مواقعهم؛ ليوزعه على سائر البيوتات العربية! تعلمنا نحن أهل الخليج ثقافة أهل الشام وعاداتهم من نهاد قلعي، وغصنا عميقاً في قضايا أهلنا في السعودية من خلال فن القصبي، تماماً كما أصبح أهل المغرب العربي والشام ومصر خبراء في اللهجة الخليجية والعادات المتوارثة فيها، من خلال فن “بوعدنان” وغيره!
عذراً أبا عدنان لتأخّري في رثائك، لكن ما يبيح العذر هنا أنك لست “خبراً صحافياً” عابراً، ولا يرتبط رحيلك بحقبة زمنية محددة، بل إنك الجانب الإنساني لقصة غيابك، أنت لست نهاية “الموضوع”، بل بدايته، ومقدمة المقال!
ومع ذلك أقولها صراحة إنني لم أندم على غيابي خلال عطلة الصيف عن صفحة المقالات في جريدة القبس وعبر أكثر من ربع قرن، كما ندمت على غيابي إبان رحيل الكبير عبد الحسين عبد الرضا.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى