ملفات ساخنة

فقهاء التراث!

[جريدة القبس 28/3/2017]

أحداث لندن، وقبلها أحداث باريس وبرلين وبروكسل تؤكد أن مسألة السلام والأمن في العالم هي مسألة متكاملة ومتشابكة، بمعنى أن الحروب اليوم لا يمكن أن تنغلق وسط حدودها، وكذلك السلام والأمن! وواضح من الأحداث أن مواجهة الإرهاب العالمي قد أصبحت وبفعل هذه المعطيات مسألة مركبة ومعقدة يتطلب التعامل معها شروطاً كثيرة بخلاف الشرط العسكري!
في عام 2014 شكلت الولايات المتحدة تحالفاً ضم أكثر من ستين دولة، بهدف القضاء على “داعش” خصوصاً في العراق وسوريا، وقد قدر خبراء عسكريون قوات هذا التحالف حين بدايته بقرابة خمسة آلاف جندي أغلبهم من الأمريكيين في العراق، و500 في سوريا، وتستمر الولايات المتحدة في مضاعفة أعداد هذا التحالف!
اختزال معركة العالم ضد الإرهاب في الاستعدادات العسكرية هي مسألة ساذجة، ولن تؤدي إلى نتائج ما لم تصاحب العمليات العسكرية عمليات على المستويين الأيديولوجي والسياسي، وخلق توازنات إقليمية قادرة على قطع الطريق على التنظيمات الإرهابية التي تنمو وتزدهر في مناخ إقليمي حرج، وبيئة سياسية وفكرية تزخر بكل ما يرسّخ النزعة للعنف ومن ثم للإرهاب!
الحرب على “داعش” أو غيرها لا تبدأ بالعمليات العسكرية، وإنما بالتعامل أولاً مع الحاضنة الاجتماعية والفكرية المغذية لمثل هذا التطرف والإرهاب! هذه الحاضنة، التي ترى في الآخر “كافراً” يحق قتله، وخارجاً عن الأوامر الإلهية يتوجب الجهاد ضده!
المشكلة أن هنالك دولاً عربية من ضمن هذا التحالف المزعوم ضد “داعش”، هذه الدول ومن ضمنها الكويت طبعاً لا يزال بعض مساجدها يذكّر المصلين بضرورة الجهاد! أذكر، منذ أسبوعين، خطيباً في يوم الجمعة يردد على المصلين أن الجهاد فريضة، وأن الرسول قد أمرنا بمحاربة اليهود والنصارى حتى يؤمنوا!
المطلوب في مجتمعاتنا الحاضنة لكل أنواع التطرف والعنف وبغض الآخر، أن تخرج للعامة جهة محايدة تعيد تفسير شروط الجهاد وأحكامه بشكل يقطع الطريق على ملايين السذّج الذين يرون فيها دعوة مفتوحة لقتل الآخرين! خصوصاً أن هنالك “فقهاء” لايزالون يفسرون الأمور بطريقة تراثية بحتة، مغلفة بأعذار واهية زرعت حقد العالم على كل ما هو مسلم!
إذاً، قبل أن نحارب “داعش” بالتحالف الغربي “الجبار” علينا أولاً مواجهة “الداعشية” الكامنة في وعي ملايين المسلمين المغرر بهم من قبل فقهاء التراث!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى