فضيحة.. على المكشوف

فضيحة.. على المكشوف
علق أحد المراسلين على الأحداث الدائرة في يوغسلافيا السابقة بقوله: “إنه لم يشهد في حياته كلها مثل هذا الكم الهائل والمخيف من الحقد والكراهية.. اللتين تحركان رحى الحرب والقتل في يوغسلافيا منذ ما يقارب الأربعة أعوام!!”.
سياسياً، استطاعت يوغسلافيا أن تصمد كوطن واحد لأجناس متعددة للفترة ما بين 1946 – 1991. قبل أن تتفتت عقائدياً وحضارياً.. في انتقام شرس ظل مخبأ تحت تحالفات سياسية وطقوس دبلوماسية، تلبية لطموحات رجلها الأكثر شعبية “تيتو”.. لتقف يوغسلافيا المحطمة الآن شاهداً على أن التحالفات السياسية هي الأقصر نفساً.. في حسم الخلافات الحضارية والعرقية والثقافية.
الذين تابعوا مراسيم دفن رئيس الوزراء الإسرائيلي.. ومجرم الحرب “رابين” هالهم وأثارهم في آن واحد ذلك الكم الهائل من العاطفة التي سخا بها وذرفها عرب عليه!! فالدموع العربية التي لم تتوقف.. والمشاركة بالعناق الحار لأرملة (الشهيد).. تؤكدان على وجود روابط وعلاقات راسخة لا يمكن أن تكون قد بدأت مع عمر مسيرة السلام القصير!!
وتهجد الرئيس الفلسطيني “ياسر عرفات” وهو يرثي (ابن عمه) وقدوة طفلته الرضيعة.. هي مشاعر حقيقية وغير مفتعلة تفرضها دبلوماسية السلام.. ومستقبل العلاقة المقبلة!! فرابين هو بالفعل (خسارة) لهؤلاء!! ورثاؤهم له ومشاعرهم الحميمة ليست بسبب ظروف قتله الإرهابية!!
واستنكارهم للحدث.. ليس نبذاً ورفضاً للإرهاب أياً كان جنسه أو لونه!! وإلا لرثوا اغتيال الشقاقي، والذي كان مصيره على يد الإرهاب كذلك!! بعد أن أعطي رابين آخر تعليماته قبل أن يرحل.. وذلك بقتل الفلسطيني “فتحي الشقاقي”!!
هم يبكون لأن موت رئيس الوزراء الإسرائيلي هو فعلاً خسارة لهم!! وسقوط رأس حزب العمل صريعاً يجعلهم في مواجهة الليكود، حزب الرفض للسلام حتى مع كل التنازلات ومع كل الاستسلام العربي في مسيرة السلام!!
الذي هالهم وأصابهم بالغثيان مشهد الرداء العربي في جنازة رابين وسط آلاف من القلنسوات اليهودية.. هالهم ذلك لأنه خزي وعار عربي “على المكشوف”!! فالعلاقات (العربية – الإسرائيلية) الحميمة التي شاهدناها خلال مراسم الدفن، هي وضع طبيعي كان سائداً خلف كواليس مشاهد النضال المفتعلة، والتي كانت تطلق من ورائها صيحات طالما هددت بدفن إسرائيل وتدميرها!! منذرة بمخاطر الوجود الصهيوني على الكيان العربي، والاقتصاد العربي، والأمن والتنمية.. وكل ما يتعلق بوجود المواطن العربي!! تحذيرات يجني البعض من ورائها أموالاً.. يتقاسمها مع مغتصب الأرض.. ليشتركا معاً في دفن المواطن صاحب الحق.. فيدفن المصري في الستينيات.. ثم الفلسطيني في السبعينيات.. ليلحقهم اللبناني في الثمانينيات!!
اللعبة العربية هذه المرة جاءت على المكشوف!! ولعله من سوء حظهم أن الاعلام الغربي المكلف بتغطية الحدث لا يؤمن بالتغطية المغتصبة.. ولا بسرية الجلسات.. فجاءت الفضيحة على الهواء مباشرة!! هي فضيحة لأن ما حدث لا علاقة مباشرة له بمسيرة السلام التي يدعي هؤلاء حرصهم على عدم عرقلتها ووجوب إتمامها!! وهي فضيحة لأن مشاهد العرض أكدت مكانة “الشركاء” في المسيرة السلمية!! وهي فضيحة لأنها أكدت أن “سلام الشجعان” ليس مفروضاً من قبل إسرائيل التي أصبحت الطرف الأقوى في المعادلة السلمية!! وإنما هو وعلى الرغم من مردوده الوضيع لأصحاب الحق.. مرفوض من المعتدي مغتصب الحق!!
إسحق رابين أهان العرب جميعاً وهو ميت كما أهانهم حياً ومعلناً في مؤتمر عمان الاقتصادي حين قال إنه قادم من “القدس عاصمة إسرائيل الأبدية التي لن تجزأ ولن تقسم”!!
أما إيغال عمير فقد أفاق العرب جميعاً.. وابن الحاخام اليهودي “شلومو عمير”.. عضو منظمة آيال “اليمينية المتطرفة”!! والذي أصابت محاولته الثالثة لقتل رابين (داعية السلام مع العدو العربي).. أفاق العرب جميعاً إلى أن جذور الصراع لا تطفئها تجمعات بلوماسية أنيقة!! قتل زعيمه رابين صاحب الفضل المشهود في بناء الكيان اليهودي.. ليبقى هو يهودياً!! أعلن كرهه ورفضه للعرب.. حتى لو أتوا زاحفين بتنازلاتهم!! ليبقى حضارياً.. يهودياً!!
بعد ذلك كله.. إلا يحق القول: كان مشهد الفضيحة على المكشوف؟!
