شئون عربية

غائبون عن الوعي!!

غائبون عن الوعي!!

في سرد تفصيلي وموضوعي جداً، استعرضت محطة “أم. بي. سي” وعلى حلقات الأوضاع السياسية التي عاصرت فترة إعلان وقيام الدولة الصهيونية على الأراضي العربية، وما أعقبها من تطورات وتداعيات سياسية وعسكرية.
ما يُثير في تلك الحلقات، أنها حَوَت واستعرضت تاريخاً عمره خمسون عاماً، هو عمر النكبة العربية الأولى، حدثت فيه أحداث هي بعدد سنوات عمره، وطرح فيه المناخ السياسي الإقليمي والعالمي مستجدات ومتغيرات هائلة وجذرية!! ومع ذلك فقد بقي النظام السياسي العربي بكل أنواعه وفئاته “صامداً” في وجه كل تلك التغيرات والتحولات!!
حتى لقد كان هناك تكرار، ليس للفتور السياسي العربي، وللاسترتيجيات والأولويات السياسية العربية وحسب، وإنما للوجوه وللشخوص التي “صمدت” وبقيت، فكانت زعامات وقيادات لكل الفصول!! وبالطبع فقد حوى ذلك الاستعراض لتلك الحقبة من التاريخ السياسي العربي، إرشادات للمساهمة العربية المباشرة وغير المباشرة في النكبة العربية المباشرة وغير المباشرة في النكبة العربية الأولى وفيما تلاها وأعقبها من إخفاقات عربية سياسة وعسكرية.
الذين تابعوا تلك الحلقات التاريخية السياسية التي بثتها محطة الـ “أم.بي. سي” لا شك قد لاحظوا ذلك “الصمود” أو الجمود العربي من خلال حديث ملك الأردن الملك حسين وتعليقه على أهم الأحداث السياسية العربية في تلك الحقبة، وكيف كانت وجوه السياسة العالمية تتغير وتتبدل، مقارنة بالصمود الذي يعكسه قادة وزعماء مثل الملك حسين!!
لا شك أن “الصمود العربي” على مستوى الزعامات والقيادات السياسية، لا يؤدي إلى جمود في القرارات السياسية، والمبادرات، وحسب، وإنما يؤكد على مدى ضآلة هامش الحرية والنهج الديمقراطي في المجتمع السياسي العربي بشكل عام، فهذه الدرجة العالية من “الصمود القيادي” العربي لا توفرها ممارسات دكتاتورية محنكة ورائدة في أساليبها، تضمن من خلالها تلك القيادات المخضرمة بقاء أوفر واستمرارية أسهل.. وكل ذلك على حساب حريات المواطن الأساسية وحقوقه، وخاصة ما يتعلق منها بحرية الرأي والقول، وحرية التنظيم السياسي، والتغيير عبر قنوات شرعية مُعتمدة في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، مما خلق مواطناً عربياً خانعاً.. خائفاً وخاضعاً باستسلام لكل الانتهاكات والمارسات العنيفة للحد من حريته وتكبيلها.
يقال دائماً، إن الشعب الحر هو وحدة الشعب القادر على أن يخوض معارك ويحقق انتصاراً. والشعوب العربية، وبلا استثناء، ليست شعوباً حرة على الإطلاق، مما جعل من الإخفاقات العربية السياسية والعسكرية نتائج طبيعية لحالة العبودية التي تسيطر على الوعي السياسي العربي بشكل عام.
هنالك ولا شك سلبية ملحوظة أصبحت تسيطر على وعي الإنسان العربي تجاه قضاياه المصيرية وأزماته: وهي سلبية ساهمت في إضعاف الموقف التفاوضي العربي، وكما شهدنا في اتفاقيات “السلام” العربي – الإسرائيلي!! كما كانت تلك السلبية واضحة جلية في إحياء الذكرى الخمسين للنكبة العربية الكبرى، والتي اقتصر إحياؤها على الشعب الفلسطيني، على الرغم من العلاقة المباشرة بين الوجود الصهيوني فوق الأراضي العربية، وكل الأحداث والأزمات التي حلت بدول المنطقة، بدءاً بحروب العرب ضد إسرائيل، وانتهاء بأزمات العرب فيما بينهم، ولا نستثني من ذلك كارثة غزو النظام العراقي للوطن!
إن هذه السلبية المتمكنة من الإنسان العربي، ما هي سوى نتيجة طبيعية لذلك الخلل في الوعي العربي، والتي تجعلنا نجتر أخطاءنا ونكررها ونُصر على إبقاء رموز الهزيمة، والعنف والتخلف!! فتصمد الزعامات العربية مع كل إخفاقاتها، وممارساتها، وتزدهر الدكتاتوريات العربية وتنمو.. ونحن غائبون عن الوعي!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى