عودة نوستراداموس

عودة نوستراداموس
قرأت، وللمرة الأولى، كتاب الفلكي الفرنسي نوستراداموس إبان فترة الغزو العراقي للكويت، وقد كان دافعي الأول لذلك هو البحث في مصادر وكتب غير الكتب التقليدية التي تتحدث في السياسة والاقتصاد والاجتماع، عن تفسير أو تحليل لتلك الصاعقة التي أخجلت كل نظريات السياسة المألوفة وكل تكهنات أهل الرأي!
واليوم وبعد حادث الثلاثاء الدامي في أميركا، أعود من جديد إلى هذا الكتاب في محاولة شاقة للبحث عن تنبؤات قد تفسر ما حدث، وقد تؤول، ولو من خلال ومضات خفيفة، ما سينتج عن تلك الفوضى التي ضربت أعتى إمبراطوريات الأرض.
و”نوستراداموس” اليوم أصبح “موضة” يتناولها الكثير عبر الإنترنت، وتنشر بعض الصحف شيئاً من تنبؤاته المتعلقة بالأحداث الجارية كنوع من تلطيف الجو والتخفيف عن البعض من هول الصدمة والخوف من الآتي.
ولكن من هو نوستراداموس الذي أحيت ذكراه الضربة الإرهابية الأخيرة؟ وما هي طبيعة تنبؤاته وظروفها ومصداقيتها؟
بداية نود أن نشير إلى هويته التي تقول إنه قد ولد في سان ريمو دي بروفانس في فرنسا في عام 1503، وأبدى شغفاً بعلم الفلك منذ طفولته، درس الطب وساعد في شفاء العديد من مواطني جنوب فرنسا حين ضرب الطاعون المنطقة، وقد تجلت قدراته على التنبؤ وهو لا يزال يافعاً، وفي عام 1550 بدأ في كتابة نشراته إلى أن أتم كتابة نبوءاته كلها في كتاب صدر في عام 1555، يقال إنه يحوي نبوءات تمتد زمنياً منذ مرحلته وإلى نهاية العالم.
ولكي يتجنب تهمة السحر، التي كان عقابها الحرق أو القتل، فقد تعمد أن يتلاعب بعض الشيء بالتسلسل الزمني لنبوءاته وبحيث يكون معناها وتأويلها قاصرين على أولئك المهتمين والعارفين! وبالطبع فقد ذاع صيته حتى أن الملكة “كاثرين دو مودييه” طلبت منه أن يكشف طالع أبنائها السبعة، مما سبب له الكثير من المشاكل لأنه تنبأ بنهايتهم المأساوية التي حدثت في ما بعد بالفعل! وقد مات نوستراداموس في عام 1566.
وقد لا أكون الوحيدة التي لجأت إلى نوستراداموس في أوقات الأزمات في محاولة للفهم، ففي خريف عام 1939 وبعد أن أعلنت ألمانيا الحرب على أوروبا قام وزير الإعلام والدعاية الألماني غوبلز بالاستعانة بمنجم سويسري بنى نبوءاته على أعمال نوستراداموس وذلك بهدف السيطرة على أوروبا سيكولوجياً!
من أشهر نبوءات نوستراداموس الثورة الفرنسية عام 1789، الحرب العالمية الثانية واغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي، كما تنبأ بانهيار جدار برلين، وبالثورة الإيرانية.
أما ما يتعلق بأحداث نيويورك، الأخيرة فقد ذكرها نوستراداموس في المقطع -97 VERSE الوارد في القرن السادس“sixth century” والقرن هنا لا علاقة له بالزمن وإنما بالترتيب الفصلي.
حيث يقول إن السماء ستحترق على 45 درجة وإن النار ستلتهم المدينة الجديدة، ثم ينطلق جرف حارق من اللهب إلى أسفل، وذلك ينطبق وبشدة على حادث نيويورك، خاصة إذا ما أدركنا أنها، أي مدينة نيويورك، تقع على خطي عرض ـ طول 40 ـ 45!
يبقى كتاب ذلك الطبيب الفرنسي مثيراً للجدل في كل مرة يرد فيها ذكره أو يشير أحد إليه لكنه كذلك يبقى ملجأ العاجزين عن التفسير والخائفين من المجهول ويبقى مصدراً للفهم وللتأويل حين يعجز المنطق عن تبرير أو تفسير واقع كواقع عالمنا اليوم، أو حين تبلغ التناقضات في شؤون البشر حجماً يعجز معه الوعي والإدراك للفرد العادي أن يتابع ما يجري حوله!
كتاب نوستراداموس يعود إلى الصدارة اليوم ليشكل ثقافة جديدة أساسها التخمين والتنجيم بعد أن عجز إنسان العصر الحديث عن فهم ما سطرته كل المعادلات والنظريات السياسية!

