الأدب والثقافة والفنقضايا الوطن

عودة التلفزيون

عودة التلفزيون

تشكل البرامج التلفزيونية والإذاعية جزءاً هاماً من ملامح رمضان المميزة، حيث يزخر التلفزيون بالبرامج المعدة خصيصاً لهذا الشهر الفضيل، ويزدحم الإرسال الإذاعي بأنواع مختلفة ونكهات عديدة من البرامج الإذاعية التي لا تخرج إلا في رمضان.
ولقد تميز رمضان هذه السنة بالذات بعودة ناجحة للفن الأصيل وللأداء الراقي الذي افتقدناه في السنوات الأخيرة، بعد أن سيطرت الرتابة والرداءة على كثير من البرامج المعدة والحلقات التلفزيونية، بما فيها التمثيليات والبرامج الدينية والبرامج الترفيهية والمتنوعة، وقد كان العذر الدائم في ذلك التدني الواضح لما كان يعرض على الشاشة التلفزيونية أن الذوق العام هو الذي أصبح متدنياً، وأن الناس قد تعبوا وضجروا من الطرح الهادف والجريء والمتميز، وأنهم ـ أي الناس ـ قد أصبحوا بحاجة إلى طرح هزيل يخفف عنهم عناء وتعب الحياة التي أصبحت شاقة ومرهقة.
وهو بكل تأكيد عذر غير صحيح يناقضه إقبال الناس الشديد على كل ما من شأنه أن يرفع من ذلك الذوق المتدني والمنحدر! ويؤكده نجاح برامج ومسلسلات تلفزيونية راقية وهادفة كالتي نحن بصددها في رمضان الحالي.
فلقد عادت الحياة من جديد للمسلسلات الكويتية التي كثيراً ما جذبت المشاهدين في الخليج وفي العالم العربي وذلك خلال السبعينيات والثمانينيات، وعادت معها وجوه وشخصيات مبدعة كانت ولا تزال رمزاً للفن الأصيل والهادف وللأداء المتميز بلا إسفاف أو تهريج كالذي نشهده في بعض البرامج والمسلسلات، وأصبح المشاهد، ليس في الكويت وحدها وإنما على كل القنوات الفضائية، متشوقاً لمتابعة عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي وحياة الفهد، ومجموعة من سفراء الفن والإبداع في الكويت من الذين أعادوا للفن مقامه ومكانته.
يأتي الفن الهادف والراقي كأهم قنوات الاتصال والوصل بين الشعوب والأمم، ويلعب دوراً لا يقل عن دور السفارات والمكاتب التمثيلية والقنصليات، فلقد عرّف فنانون، كالنفيسي وعبدالرضا والفرج وحياة الفهد وسعاد عبدالله، بالكويت وقدموها لشعوب ودول شقيقة وصديقة، وساهموا في توطيد علاقة الكويتيين بغيرهم من الشعوب العربية، فكانوا حقاً سفراء وممثلين لوطنهم ولشعبهم، كما كان لأولئك الفنانين مساهمتهم السياسية وذلك من خلال إثارتهم لقضايا ومشاكل الوطن، وتعرضهم بالنقد للسلبيات وللأخطاء.
ولم يكن الفن الهادف وحده الذي عاد مع إشراقة رمضان الحالي، وإنما عادت كذلك ملامح العقلانية والشفافية والتجرد للبرامج الدينية أيضاً، فلقد أعاد المذيع والمعد ساير العنزي ببرنامجه الديني الرائع “حوار مع الإمام” الروح في البرامج الدينية والتي أصبحت مؤخراً تطرح وتناقش أموراً دنيوية لا تخلو من الطابع السياسي المغرض والهادف، أو من التجريح بالآخرين والتشهير بهم والتعرض لآرائهم بصورة مفرطة في النقد الجارح والهجوم المتعمد.
ففي برنامجه “حوار مع الإمام” يناقش ساير العنزي الشيخ محمد سيد طنطاوي إمام الأزهر الشريف ويتحدث معه في أمور وقضايا دينية بحتة، ويسلط الضوء فيه على أمور فقهية وتشريعية يستنير بها المشاهد ويتعرف من خلالها على القضايا الإسلامية المعاصرة وعلى حكم الدين والشرع في المعاملات والتعاملات اليومية، ويطرح ذلك كله في جو ديني وروحاني عابق بالشفافية والتجرد من كل ما من شأنه أن يخالف روح الإسلام السمحة.
يعود التلفزيون إذاً في هذا الموسم الرمضاني مختلفاً وأكثر نضجاً وتعقلاً، وتعود معه رموزه المبدعة التي طال انتظارنا لها بعد أن حاصرنا الإسفاف والتجريح والتهميش طيلة الأعوام السابقة، ويبقى معها الأمل في أن يستمر التلفزيون في ذلك الصعود نحو القمة، وأن لا ينحدر من جديد إلى سفح الأداء الرخيص.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى