عجزت الأنظمة.. وصمدت الشعوب

عجزت الأنظمة.. وصمدت الشعوب
وسط مشاعر اليأس والإحباط التي أصبحت تكتنفنا كأمة عربية وحالة الانكفاء والسلبية التي سادت شعوب المنطقة.. تطل بين الفينة والأخرى بوادر أمل تدعونا كشعوب عربية إلى نبذ اليأس والنهوض وسط حطام خلافات الأنظمة العربية المترهلة.. فعلى الرغم من الوضع المتردي الذي آلت إليه الأمة العربية.. والتناحر الشديد بين أنظمتها السياسية.. إلا أن بارق الأمل في النهوض لم يخبُ.. واستمر هاجس كل شعوب المنطقة وجماهيرها فبنظرة سريعة إلى واقع الأنظمة السياسية المسيطرة من ناحية أخرى.. لا أتصور أن هناك صعوبة في تبين حقيقة تميز الشعوب على أنظمتها.. فالشعوب العربية أفضل بكثير من أنظمتها.. وليس أقوى على ذلك من دليل أن العقول العربية لا تنجز ولا تثمر في إطار تلك الأنظمة.. ولكنها تبدع وتتفوق خارج إطارها فالعالم مليء بالعلماء العرب.. والأطباء من أبناء هذه الأمة وفي شتى مجالات التخصص.
لقد عجزت الأنظمة العربية.. وتحت كل الظروف التي أتيحت لها أن ترقى إلى طموحات شعوبها.. فتمارس العنف والقمع تارة.. والنفي والإبعاد تارة أخرى.. وواقع الجاليات العربية في كل بقاع الأرض يحكي حقيقة ذلك الأسلوب في التعامل.
فمنذ حركات التحرر في الأربعينيات.. لم يطرأ تغيير حقيقي وجذري نحو الأفضل في أي من الأنظمة العربية.. بل لم يطرأ أي تغيير يتماشى مع إيقاعات التغيير السريع من حولنا تلك الأنظمة التي ولدت على يدها جامعة الدول العربية.. فتبنت مواقفها وأغلبها مواقف فردية وبررت وجودها وشرعيتها.. مساهمة بذلك في الهزائم التي تكبدتها شعوب المنطقة في ظل أنظمتها.. فمن خيانة ومن ثم هزيمة 48 إلى نكسة 67 وإلى (نصر) الهزيمة في أكتوبر 73 في حين أن شعوب المنطقة هي التي وقفت في وجه الاجتياح إبان الصمود البطولي في لبنان عام 82.. وهي التي تؤرق الحلم الإسرائيلي في انتفاضة الأرض المحتلة التي تفرض شروطها.. بينما يتسول النظام الفلسطيني السلام على فتات الموائد الغربية.
لقد أثبتت مثل هذه الإنجازات البطولية على مستوى الشعوب العربية.. أن قدرتها على التصدي فاقت قدرة جيوش الأنظمة النظامية بكل استعداداتها.. وهي في الوقت ذاته تشكل عامل حرج للأنظمة العربية التي لم تكتفِ بإعلان عجزها عن المواجهة.. وإنما أيضاً بإفشال أي محاولة حقيقية من قبل الشعوب للنضال والمواجهة.
لا يمكننا أن نستثني هنا الثورات العربية.. والحركات التصحيحية التي حاولت أن تطرح نفسها بديلاً للأنظمة القائمة.. والتي استطاعت أحياناً أن تستقطب شعوب المنطقة.. ولكن لفترات زمنية مؤقتة.. تلك الثورات التي عجزت أن تطرح حلولها لأسئلة الشعوب الملحة.. والتي كان أساس قيامها وتحركها.. خلافها مع الأنظمة السياسية السابقة.. فأصبح هو محور عملها.. وليس الصالح الوطني العام.. فتحولت هي الأخرى من ثورات تصحيحية إلى أنظمة ٪99.99.. فجاءت التغييرات شكلية وفي المسميات فقط.. بينما بقي مضمون النظام كما هو والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى… فمن ثورة الفاتح من سبتمبر الليبية.. إلى حركة السودان التصحيحية.. إلى ثورات تموز (المجيدة) فلا عجب إذن وفي ظل بدائل كهذه أن يتولد شعور باليأس.. وإحساس بالخوف من التغيير لدى الشعوب العربية.
بل وحتى الأحزاب السياسية.. والتي يسمح بها تحت بعض الأنظمة العربية.. لم تعمل على تبني قضايا شعوبها الملحة.. بقدر تبنيها لأنظمة دول أخرى.. والتي غالباً ما تكون الممول والمحرك الحقيقي لها.. وبالتالي فإنها تبقى بعيدة عن نبض شعبها وقضاياه الحقيقية. أو أن يكون وجودها ومن ثم بقاؤها واستمرارها ليس إلا لكونها أداة تبرير لشرعية النظام القائم.. وافتعالاً زائفاً لحرية الرأي وتعبيره.. فتصبح امتداداً لتلك الأنظمة.. وجزءاً منها.. وليس طرحاً آخر ورأياً مخالفاً.
الشعوب في الدول العربية تنتمي إلى أمة واحدة.. بكل الروابط التي تربطها ببعضها هكذا ينظر إلينا العالم والذي لا يتحدث عن غزو العراق للكويت.. وإنما عن افتراس العرب لبعضهم.. وهو أيضاً لا يسخر من حرق صدام للثروة النفطية وإنما يرى أن العرب (الأغبياء) يحرقون أموالهم.. ومع ذلك فنحن داخلياً لسنا أمة واحدة مثلما نحن خارجياً.. ففي ظل ذلك التمزق فقط تنمو بعض الأنظمة العربية وتزدهر.. لا لحق لها.. ولا لكفاءة منها.. وإنما بتأجيج الخلافات لصرف نظرها عن قضاياها الأساسية فمن خلال صراع الأنظمة فيما بينها.. ومن خلال افتعال التناقض فيما بينها، والذي هو في الغالب ذاتي المنشأ.. وبعيداً عن صالح الشعب تؤجج نار الفتنة والخلاف بين شعوب المنطقة.. والتي تخضع جميعها لدرجات متفاوتة من الظلم والاضطهاد.
جوهر نظرة العالم للشعوب العربية.. أنها شعوب تنتمي إلى أمة واحدة.. واقع حالنا لا يعمل وتلك الحقيقة، وهي حالة لا يمكن أن تكون ثابتة ودائمة.. بل طارئة واستثنائية.. تخدمها الظروف الراهنة.. والتي لم تسنح معها الفرصة لشعوب المنطقة لأخذ زمام المبادرة في النضال والنهوض الوطني.. وتاريخنا مليء بالبراهين والأدلة.. التي تجعلنا ننتظر اليوم الذي تكون فيه المبادرة من الشعوب وإلى الشعوب.. تصبح معها مقولة (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) ذات مغزى وصدى في عالمنا.

