صرخة من قلب لبنان!!

صرخة من قلب لبنان!!
ساهمت لبنان من حيث لا تدري في إزالة الغبار المتراكم على الوعي العربي والكرامة العربية الغائبة. فالغارات الإسرائيلية المجنونة على أرض لبنان الطاهرة أيقظت لدى الكثيرين ضميراً ظل غائباً ومغيباً منذ كارثة العرب في عام 1967. فالغارات المجرمة التي استهدفت مواقع مدنية وأهدافاً حساسة تشكل عصب البنية التحتية للبنان تؤكد أننا جميعاً مستهدفون لا لبنان وحده، لأن التاريخ والواقع يقولان ألا حياة لإسرائيل مع وجود تضامن عربي، ولا استقرار للكيان الصهيوني إلا من خلال الفوضى والتشرذم العربي، وإن إسرائيل ستستمر في هروبها للأمام الذي يعفيها من التزاماتها الدولية، ومن مواجهة مشاكلها الداخلية كالبطالة وغيرها من مشاكل اجتماعية واقتصادية.. إسرائيل تبرر هجومها الأخير على لبنان بأنه رد على عمليات حزب الله التي ضربت أهدافاً عسكرية، ولم تستهدف مواقع مدنية وكما حدث في هجوم إسرائيل الأخير على لبنان.
لقد نشطت جهود السلام وخرجت من وراء كواليس الأنظمة العربية إلى العلانية في عام 1991 مع انعقاد مؤتمر مدريد، لذا فإن اعتبارها نتيجة مباشرة لغزو النظام العراقي للكويت يعتبر أمراً منطقياً بل ومؤكداً. والتوقيت بلا شك يعكس طبيعة العمل والتخطيط الإسرائيلي الذي يحمل من الدهاء والحنكة أضعاف ما يحمله العالم العربي بقادته وأنظمته السياسية على اختلافها وتعددها. (فالسلام) الإسرائيلي بدأ بتحييد مصر بعد مؤتمر كامب ديفيد وإخراجها من الطوق والحلقة العربية لتتجمد بعد ذلك الحروب العربية. وتصبح الحرب مستحيلة من دون مصر. وإذا كان عزل مصر قد قطع التمويل المعنوي عن القضية العربية، فإن الغزو العراقي وما صاحبه من تداعيات قد قطع التمويل المالي الذي طالما وفرته دول الخليج.
ولأن هدف إسرائيل من وراء السلام هو أبعد بكثير من مجرد الجلوس على طاولة المفاوضات وتبادل السفراء. فإن الاستراتيجية الإسرائيلية ماضية في برنامجها الذي يضمن لها استقراراً سياسياً وليس جغرافياً فقط. والعرب ماضون في إمدادها بكل ما يتيح لها تنفيذ استراتيجيتها الرامية إلى المزيد من العزل والتقطيع في الجسم العربي.
لقد حملت أحداث لبنان الأخيرة الكثير من البشاعة والإجرام، لكنها أيضاً أثارت هما آخر لا يقل حساسية وخطراً وذلك حين غابت دول الخليج عن ذلك التضامن العربي إثر الغارات الإسرائيلية والذي يبشر بإعادة الترابط العربي – العربي. ويأتي غياب دول الخليج هنا كاستجابة عفوية وتلقائية لشروط سياسية والتزامات اقتصادية أصبح الخليج ملزماً ومرتبطاً بها!! والمؤسف هنا أن ذلك الأمر قد طال وعي وإدراك المواطن الخليجي الذي أصبح معزولاً عن واقعه وعالمه العربي ولا مبالياً تجاه قضايا وأحداث تمس الجسم العربي بشكل عام. وقد يكون الأمر مضاعفاً هنا في الكويت حيث أدت مواقف بعض الدول العربية تجاه الغزو العراقي وممارسات البعض إلى تحول واضح وجذري في مشاعر وقناعات الكثير من المواطنين. والمؤسف أن أقلاماً وآراء كثيرة قد أصبحت تعزز ذلك الشعور وتروج له بصورة خطيرة. قد يكون غزو النظام العراقي للوطن قد أربك أولوياتنا وقناعاتنا السياسية والقومية بصورة جعلتنا نمعن في الانغلاق والانعزال عن واقعنا ومحيطنا العربي!! لكنه – أي الغزو – في واقع الأمر قد أكد على أهمية التضامن العربي لتحقيق أي قدر من الأمن والاستقرار النفسي والسياسي!! فلو كان هنالك بالفعل تضامن أو أداء عربي واحد لما تجرأ صدام حسين على تهديد الخليج أو دخول الكويت. ولو كان هنالك فعلاً موقف عربي موحد لما خرجت الجماهير العربية في الأردن وفي السودان، وفي الضفة الغربية مؤيدة لصدام حسين. ولو كانت هنالك كلمة عربية واحدة لما دخلت أي من جيوش الحلفاء أرض الكويت والسعودية.
لقد تمكن الاستعمار الأوروبي في السابق من الأرض العربية، وأحكم سيطرته على ثرواتها وعلى شعوبها من خلال مبدأ وسياسة “فرق تسد”!! وكذلك فقد استطاع صدام حسين أن يستثمر ذلك الشرخ العربي الذي سببه عزل مصر وأن يتسلل “منتصراً” إلى قلب الكويت!! والآن تساق سوريا آخر معاقل الكرامة العربية تحت سياط التفرق والتشرذم العربي للجلوس على طاولة مفاوضات الاستسلام!! وبين الحين والآخر تنطلق صيحة أو صرخة من قلب لبنان في محاولة لبعث الروح من جديد في الكرامة العربية المختبئة خوفاً من غارات إسرائيل الهمجية!! ومؤكدة بأن لا عودة لتلك الروح إلا من خلال ترميم الجسد العربي وإعادة أوصاله إليه من جديد!!
