زمن عبدالعزيز حسين

في ظل حمى الفساد التي شوهت معالم الكويت وأحدثت فيها أكثر من داء وعلة، يسترجع المواطن الكويتي بعض الصور المشرقة لرجالات قادوا المسيرة الكويتية، وكانوا في قمة الهرم القيادي، رجالات ساهموا في دفع مسيرة الكويت نحو التقدم والازدهار، رجالات خاضوا غمار التكليف السياسي والمسؤولية، استطاعوا أن يتركوا بصمة ناصعة البياض ميزت مشوارهم الطويل وخلدتهم كأعلام بارزة ومضيئة في تاريخ الكويت.
الذاكرة الكويتية تحتفظ لأولئك الرجال بصورة بيضاء، تسترجعها في كل مرة تصطدم فيها بصور ونماذج لرموز وقيادات سياسية غاصت أقدامها في مستنقعات ووحل الفساد، الذي يكاد، وبكل أسف، لا يستثني سوى القلة! ففي ظل “موجة” الفساد العارمة التي ضربت البلاد من كل صوب، لن يجد الواحد منا صعوبة في التعرف على أولئك الذين تلوثت أيديهم وجيوبهم.
في الكويت تعيش غالبية الناس بدخول توفرها لهم وظائفهم على اختلافها، وباستثناء فئة صغيرة تملك تاريخاً مالياً وتجارياً موثقاً، فإن الجميع يقع داخل دائرة الدخل الوظيفي المحدود، وهو دخل لا يمكن أن يؤمن حياة بذخ في شقق في عواصم العالم، وقصور، وشاليهات تنافس تلك القصور، وسيارات ومجوهرات وشركات بالملايين! وصفقات تجارية واستثمارية خيالية!
يأتي الراحل عبد العزيز حسين ليشكل صورة ناطقة من صور الرجال البيض الأيادي والتاريخ، فالراحل الكبير تبوأ مناصب منذ فجر الاستقلال، حين عين وزيراً للدولة لشؤون مجلس الوزراء من عام 1963 وحتى 1965، كما شغل المنصب ذاته من عام 1971 وحتى 1985، وكان قبل ذلك أول سفير للكويت في مصر في عام 1961.
لكننا لم نسمع عن استثمارات عبدالعزيز حسين في مصر، ولا شركاته العملاقة التي حظيت بنصيب الأسد من مناقصات الدولة، ولم يحتل اسمه قائمة الأثرياء، ولا أصحاب الملايين والاستثمارات والصفقات، بل تصدر اسمه قائمة المخلصين الذين ساهموا في بناء الصروح الثقافية الشامخة، ووضع اللبنات الأولى لمشاريع تنموية وثقافية، بدءاً من إصداره مجلة “البعثة” في عام 1946 التي كانت لسان حال المثقفين الكويتيين، وصولاً إلى إنشائه عام 1973 المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وإشرافه على معهد الكويت للأبحاث العلمية، بالإضافة إلى تأسيسه مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، تلك هي تركة الراحل عبدالعزيز حسين، التي لم يكن من ضمنها صكوك نقدية ولا شركات عملاقة، ولا استثمارات خارجية أو داخلية.
يحكي لي أحد الذين عملوا في مكتب الراحل الكبير، حين كان وزيراً للدولة لشؤون مجلس الوزراء، أنه، أي عبدالعزيز حسين، كان يريد تغيير السجاد في مكتبته المنزلية، يقول هذا الشخص، إنني أخذت على عاتقي مهمة تجديد السجاد من مخازن الوزارة ومن دون الرجوع إلى “أبو هاني”، وقد كنت أتوقع أن يسعده أمر كهذا، إلا أنني فوجئت بالوزير عبدالعزيز حسين يطلب مني إزالة السجاد وإعادته إلى المخازن، على اعتبار أن هذا السجاد ملك دولة وليس ملكاً له باعتباره وزيراً مسؤولاً.
حادثة صغيرة تترجم شموخ ونزاهة الراحل الكبير وتجعلنا نتشوق لزمن الرجال الكبار بيض الأيادي والصدور في زمن عز فيه الرجال وندر فيه المخلصون والأطهار.
ذلك كان زمن عبدالعزيز حسين ورفاقه.

