شئون عربية

رسالة إلى صديق سعودي!

رسالة إلى صديق سعودي!

اتصل بي صديق سعودي أثاره بث تلفزيون الكويت لـ “أغاني سامري” في وقت يدك فيه الصهاينة معابر غزة وبيوتها ومبانيها، ويسقط فيها مئات الشهداء والجرحى!
الصديق السعودي كان على حق فيما أثاره، لكن كان عليه أن يكون أكثر إنصافاً، وأن يتجول في تلك الليلة عبر كل محطات التلفزيونات العربية، ليرى أن الجميع، وباستثناء المحطات الإخبارية، كانت تبث برامجها بشكل اعتيادي جداً!
أيها السعودي الصديق، قد نكون في الكويت أكثر المدركين لجرائم الصمت العربي، ونعلم جيداً أن الجرح لا يلعقه إلا لسان صاحبه، ونتذكر وبصورة جيدة، ذلك الصمت الذي خيم ليس فقط على محطات التلفزة والإذاعات العربية، وإنما كذلك على اللسان والقرار العربيين، حتى أن صدمة اجتماع القمة العربية الطارئة آنذاك، التي عجزت عن الإجماع على مخرج لقضية عادلة لا لبس فيها، كانت صدمة قوية لا تختلف عن صدمة يوم الغزو نفسه!
أيها السعودي العزيز، أتفق معك وبشكل مطلق على أن الصمت العربي ليس تجاه ما يحدث الآن في غزة وحسب، وإنما تجاه كل تهميش وتسويف ومراوغة طالت القضايا العربية كلها، بدءاً باحتلال فلسطين، ووصولاً إلى احتلال العراق! وأشد على يدك مؤيدة، بأن أشلاء الضحايا وآلام الإخوة في العروبة لم تعد، وبكل أسف، تستثير حفيظة البعض كما في السابق، وذلك بعد أن أصيب التضامن العربي في مقتل ليس بسبب غزو الكويت وحسب، وإنما بسبب تشرذم وغربة الأحلام والطموحات العربية بشكل عام ومحزن!
ولعلك تتذكر معي كيف كان السواد والحزن يلف الإعلام العربي، ومعه مواطنوه عند سقوط قذيفة إسرائيلية على قرية نائية في العمق العربي!
أيها الصديق السعودي، ألا ترى معي أن التحولات التي طالت قضية العرب الأولى لم يواكبها تحول مناسب على مستوى ردود الفعل، وأن اللطم والصراخ وحرق الأعلام والخطب الرنانة وغير ذلك من “أسلحة” الشارع العربي لم تحركنا شبراً واحداً باتجاه تحقيق أبسط الطموحات والآمال السياسية! وأن دعم الشعب الفلسطيني الأعزل لا يتحقق بتنكيس الأعلام ولا برسائل الشجب والمؤازرة، وإنما باستعادة القضية أولاً، بعد أن اختطفتها جهات ودول من خارج الجسم العربي، وأصبحت تستخدمها وتسخرها لمحاربة أعدائها وفرض التنازلات التي تخدم أهدافها السياسية ومشاريعها الاستراتيجية! حتى تحولت القضية من إعادة حق لشعب سُلبت أراضيه وحقوقه، لتصبح قضية دعم ونشر لفكر وأيديولوجية خارج نطاق الزمن الحديث ومعطياته!
أيها العزيز السعودي، نعم نحن جميعاً نأسف ونتألم لانشغالنا بالتافه من الأمور في وقت يحتضر فيه أشقاؤنا في غزة وفي العراق، وفي غيرهما من بقع الصدام فوق الخريطة العربية، لكننا نتألم أكثر حين يستخدم الآخرون قضية العرب الأولى لتصبح أداة بأيديهم يضاعفون من خلالها الآلام العربية، ويزيدون من شق الصف العربي، وكما شهدنا في الآونة الأخيرة من محاولات لبتر مصر عن كيانها الأم! أوهمونا بأن تدمير لبنان في عام 2006 هو جزء من الاستراتيجية العربية لتحقيق النصر على العدو، فكان أن دخلوا حرباً “مفتوحة” تجاهلت الواقع السياسي وموازين القوى الإقليمية والدولية، وهم الآن يكررون “الحرب المفتوحة” في غزة لأهداف أعلم أنا وتعلم أنت أنها لا تخدم الأهداف العربية الحقيقية!
فلندعُ الله أيها الصديق السعودي العزيز أن يجنبنا ويجنب القضية مكر “الأصدقاء”، أما الأعداء فنحن كفلاء بهم!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى