رأي في العمليات الانتحارية

في أعقاب اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، يطرح البعض سؤالاً حول مصير العمليات الانتحارية الموجهة ضد الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية!
الحديث حول مشروعية العمليات الانتحارية ناله الكثير من النقاش والبحث والجدل الفقهي والسياسي! وإذا كان أغلب شيوخ الدين في عالمنا العربي قد أجمعوا على أن العمليات الانتحارية هي عمليات استشهادية من وجهة نظر الدين يكون فيها المنفذ بمنزلة الشهيد، إلا أن ذلك لا يعني أن هذا الإجماع يخلو من بعض الآراء الفقهية التي لا تتفق تماماً مع ذلك الرأي السابق! حيث اعتبر البعض سواء من شيوخ الدين أو السياسة أن العمليات الانتحارية غير جائزة إذا ما استهدفت المدنيين من غير العسكريين أو المواقع المدنية كالباصات والمطاعم والمقاهي!
وقد احتج الكثير على مثل هذا التفسير في حالة العمليات الانتحارية داخل إسرائيل، مبررين احتجاجهم هذا بأن كل المواقع داخل إسرائيل هي مواقع عسكرية وكل المدنيين الإسرائيليين هم في واقع الأمر عسكريون وذلك طبقاً للنظام العسكري داخل إسرائيل والذي يعتبر كل المدنيين الإسرائيليين أعضاء في جيش الدفاع الإسرائيلي!
إذاً الجدل الفقهي والسياسي حول هوية هذه العمليات لا يتوقف! لكن ما حدث في الأسبوع الماضي داخل الأراضي الفلسطينية أضاف بعداً جديداً إلى ذلك الجدل! هذه المرة يشارك الفلسطينيون من داخل الأراضي المحتلة في حوار العمليات الانتحارية، حيث واجه ناشطون فلسطينيون رد فعل شعبياً غاضباً وذلك لاستخدامهم أطفالاً في تفجيرات انتحارية، وذلك بعد أن اعتقلت القوات الإسرائيلية صبياً لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وأجبرته تحت تهديد السلاح على أن يخلع سترته المملوءة بالمتفجرات! وقد صدم فلسطينيون في أنحاء الضفة الغربية وغزة برؤية صور أذاعتها شبكات التلفزيون العالمية للصبي “حسام عبده” مذعوراً وهو يحاول خلع الحزام الناسف! وقد سبق هذه الحادثة اعتقال صبي فلسطيني عمره اثنا عشر عاماً يعمل حمالاً لأمتعة المسافرين للاشتباه في محاولته تهريب قنبلة تبين أنها وضعت في حقيبته دون علمه! وقد كان الفلسطينيون قد غضبوا في يناير الماضي عندما أرسل الإسلاميون أماً لطفلين وشاباً في السابعة عشرة من عمره في مهمتين انتحاريتين!
الجدل داخل الأراضي الفلسطينية كان ولايزال حول طبيعة الانتفاضة في وجه العدو الصهيوني أي بين انتفاضة سلمية أو غير سلمية! وقد عاد هذا الجدل وبقوة إثر اغتيال الشيخ أحمد ياسين، حيث نشرت سبعون شخصية فلسطينية بارزة، بينهم زعماء سياسيون وأعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني ومثقفون، إعلاناً يدعون فيه إلى عدم الرد باستخدام العنف على اغتيال الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة المقاومة حماس! مؤكدين على حق الشعب الفلسطيني في استخدام كل الوسائل للدفاع عن نفسه، وداعين للأخذ بزمام المبادرة وكظم الغيظ والعودة مرة أخرى لانتفاضة شعبية سلمية بأهداف واضحة ورسالة محددة! وقد كان من بين هذه السبعين شخصية أحد زعماء “فتح” من الذين قتل نجله في غارة للجيش الإسرائيلي!
قد يحمل الحديث عن المقاومة السلمية من أشخاص خارج دائرة العذاب والقهر الفلسطيني نوعاً من اللامبالاة أو عدم الإدراك لحجم تلك المعاناة، ومن هنا جاءت الصعوبة دائماً عند التعاطي مع العمليات الانتحارية داخل الأراضي الفلسطينية، حيث لا يعني رفضها إلا تجاهلاً للشأن الفلسطيني، لكنها اليوم وقد أتت من قلب الفلسطينيين وبلسانهم فإن الأمر يتطلب تفهماً عربياً مختلفاً! وخاصة على مستوى المؤسسات الدينية!
لا يستهين أحد، كائن من كان بالدماء المتفجرة في كل عملية انتحارية تخترق الغور الإسرائيلي، بل ويدرك الجميع أن الذي يدفع بشاب يافع أو بأم لأطفال ليفجرا نفسيهما هو بلا شك واقع سوداوي يفوقه بألمه ألم الموت، وهذه هي الرسالة التي أرسلتها فلول الانتحاريين الفلسطينيين إلى العالم أجمع، ويبقى الآن أن يستثمر الفلسطينيون تلك الرسالة بصورة جيدة تصنفهم كأصحاب حق وليس ككتائب عنف!