شئون عربية

دولة الملاذ

“دولة الملاذ”

الوضع في جمهورية مصر العربية.. أصبح من الخطورة بحيث لم يعد بإمكان أحد أن يتجاهل ما يحدث في قلب الأمة العربية. إن لم يكن ذلك من قبل الانتماء والحس العربي.. فليكن من زاوية التشابك الحتمي في أرضية النزاع والمشاكل الداخلية.. الذي يفرضه واقع الحياة الاجتماعية المشترك.. وظروف البيئة السياسية المتشابهة.. في كل الدول العربية.
تاريخ الوطن العربي الحديث.. كانت المبادرة فيه دائماً لمصر سواء في أسلوب التفاعل أو في طريقة التعامل مع مجريات أحداثه. والحروب العربية جميعها.. قامت تحت لواء الزعامة والقيادة المصرية، حركات التحرر العربية تشكلت نواتها في مصر.. بل وحتى السلام.. ومشروعه القائم الآن.. قد خرج من مصر، لذا فإن العرب جميعهم.. قد أدركوا بعد أن دخلت مصر قفص السلام.. بأن حقبة الصراع قد رفعت رايتها البيضاء. أو كما يقال.. “لا حرب دون مصر”. وبالتالي وكما أثبتت وقائع السلام فإن “لا سلام دون مصر”!! ورحلة عرفات إلى واشنطن.. بدأت فعلياً.. منذ ما يزيد عن عقد ونصف العقد.
وعلى الرغم من أن قضية الإرهاب.. والعنف المسلح.. تتصدر قائمة المشاكل في مصر.. إلا أن قضايا أخرى كالفساد.. الغلاء.. وعودة التمايز الطبقي الهائل.. وتدني الخدمات.. هي ما أصبح يميز الصحف المصرية .. وأحاديث رجل الشارع المصري.
هذا بالإضافة طبعاً.. إلى قضية الحوار والديمقراطية والمشاركة السياسية الفعلية في مصر.. والتي أصبح الكثير مشككاً في حقيقة وجودها.. وفاعليتها.
وقد جاء استثناء جماعة (الإخوان المسلمين) من المشاركة في الحوار الوطني المقرر عقده في أبريل.. ليثير المزيد من التساؤلات حول جدوى وحق تجاهل جماعات تملك قاعدة شعبية كبيرة.. خاصة إذا ما جرت مقارنة القرار المصري بتجاهل الجماعات الإسلامية.. مع المحاولة الجزائرية لتوسيع رقعة الحوار الوطني في الجزائر.. لتشمل الجميع. من خلال ما تطرحه بعض الصحف المصرية.. فإن المراقب لن يخطئ حقيقة الإشكالية التي أثارها تمثيل تيار الإسلامي السياسي.. والتي انتهت بإقصائه من دائرة الحوار القومي.. على الرغم من أن الذين سقطوا نتيجة العنف الديني في مصر خلال العام 93 قد اقترب عددهم من خمسمائة شخص بين قتيل وجريح!! هذا بالإضافة إلى النبرة الواضحة والتي أصبحت سائدة في الشارع المصري.. والتي أصبحت ترى أن المواجهة بين الإسلام السياسي والنخبة الحاكمة ليست هي أساس القضية.. فعلى الرغم من فداحة الثمن الذي تدفعه مصر من جراء تلك المواجهة.. إلا أنها أصبحت المظلة التي تختبئ تحتها أخطاء كثيرة.. وقضايا معلقة.. أصبح التأجيل.. والتجاهل في أحيان كثيرة أقصى الحلول الممكن توفرها في ظل التحجج بالعنف السائد.
الفقر.. والفساد.. والبطالة.. أصبحت سمات المجتمع المصري الآن.. فنصف الشعب يئن تحت خط الفقر والحاجة.. وقضايا الفساد أصبحت بلا عقوبة.. بعد أن أصبح لمروجي الفساد.. والمحرضين عليه.. أعوان من مسؤولين ومقربين للسلطة فهم الآن يتحدثون في مصر عن عشرات قضايا الفساد التي هرب أصحابها بما حملوا من أموال.. وعن هروب “توفيق عبدالحي”.. و”هدى عبدالمنعم” وكلاهما متهمان بقضايا فساد.. إلى جانب مصير القضايا المشابهة كقضية “الريان”.. و”السعد”.. والتي امتدت بهما التفاصيل إلى درجة النسيان. أما البطالة.. وهي الخطر الأكبر.. الذي تصب نتائجه مباشرة في خانة الإرهاب والعنف الديني.. فهناك أكثر من ثلاثة ملايين عاطل عن العمل يضاف إليهم سنوياً أعداد الطلبة الذين ينهون تعليمهم في المعاهد والجامعات.
المواطن في مصر يدرك ولا شك أن عامل تهميش الديمقراطية.. إن لم يكن غيابها في مصر.. يعد أساساً في انتشار الفساد الذي أصبح ينخر في الجسد المصري.. والمواطن العربي كذلك يدرك أن أي صورة للديمقراطية في مصر.. ستنعكس دون شك على شكل أي نظام ديمقراطي يقوم في أي قطر عربي آخر.. وذلك بالطبع ما تؤكده أحداث وحقائق تاريخية.. جسدت فيها مصر أساساً لأي استقرار أو أمن أو حالة حرب تجابه المنطقة العربية..
فمصر هي دولة الملاذ وكما قال الدكتور “حازم الببلاوي” في كتابه الأول عن أزمة الخليج “بعد أن يهدأ الغبار”.. مؤكداً على حقيقة وجوهر الدور المصري.. في أن تشكل مصر قاعدة لإنشاء نظام اقتصادي وأمني عربي.. وما يتطلبه ذلك الدور من وجوب إقامة نموذج صحيح للديمقراطية في مصر أولاً.. خاصة وأن قيام نظام ديمقراطي في مصر وتدعيمه من شأنه أن يقوي من دور مصر كدولة ملاذ للأمة العربية ويزيد مصداقيتها على المستويين العالمي والعربي.. وهو أمر يتطلب أولاً تطوير دور مصر كدولة ملاذ في المجالات المختلفة.. لتكون بداية حقيقية في استقرار وأمن للمنطقة بأجمعها.
ما هو قائم الآن على الساحة المصرية من مواجهة شرسة.. بين جماعات العنف المسلح.. وبين قوات الأمن والشرطة.. لا يقل خطراً عن محاولة السلطة في مصر تجاهل حركة سياسية – اجتماعية لها ثقلها في التاريخ المصري المعاصر. إضافة إلى امتداداتها في المنطقة العربية بأكملها.. وذلك باستبعادها من حوار القوى السياسية في مصر. خاصة وأن الظروف التي تمر بها مصر الآن من غلاء وفساد وبطالة.. ومشاكل إسكان وكلها مشاكل ترتطم بمعالجات هامشية مرتجلة.. تجعل الغلبة والنصر لمن يقدم تسهيلات للمواطن المظلوم.. حتى وإن جاءت في حياة الدار الآخرة.. وبعد الممات!!
مشكلة المواطن العربي في تطلعه إلى مصر كدولة ملاذ ونموذج لباقي الدول العربية.. أن ذلك المفهوم قد بقي في إطار النظرية المجردة.. بينما توغل الغير في أعماق ذلك المفهوم.. فكان أن ابتدأت بالفعل الخطوة الأولى نحو هيمنة الغرب الجديدة على الشرق.. وخطت أولى خطواتها من قلب مصر الملاذ.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى