داني بوي يغزو اليابان

“داني بوي” يغزو اليابان!!
“داني بوي“، هو تفاح أمريكي شهير من نوع “Red delicious” و”Golden delicious”، نزل حديثاً إلى الأسواق في أنحاء كثيرة في اليابان، وبأسعار أرخص من التفاح الياباني بما يتراوح بين 20، 30 بالمائة وحيث وصلت أول شحنة زنتها نحو ألف طن من التفاح الأمريكي إلى اليابان في السابع من الشهر الحالي!!
وصول “داني بوي” إلى اليابان هو أول (تباشير) اتفاقية “الغات” والتي وافقت اليابان مؤخراً عليها منهية بذلك حظر استمر عقوداً طويلة!!
واتفاقية “الغات” باختصار هي مشروع لإرساء سوق عالمية حرة تشمل 124 بلداً، وتنص على رفع تدريجي للعديد من الرسوم والضرائب الجمركية، بما فيها تلك التي اعتمدتها الحكومات المختلفة لحماية القطاعات في بلادها، لا سيما القطاع الزراعي منها في البلدان الصناعية!! وكما كان الحال في اعتراض المزارعين اليابانيين المحليين على السماح لواردات الأرز الأجنبية بالدخول إلى أسواق اليابان!!
اتفاقية “الغات” ستؤدي إلى تخفيض التعرفات الجمركية في العالم كله 38 بالمائة وستضيف إلى الاقتصاد الأمريكي بين 60 – 120 بليون دولار سنوياً!! وتوفير حوالي مليون ونصف المليون وظيفة جديدة للاقتصاد الأمريكي، لأنها ستساهم في تغلغل الشركات الأمريكية في الأسواق الأجنبية، خاصة ذوات الأسواق الكبيرة، مثل: البرازيل وتايلند وماليزيا وأندونيسيا، كذلك ستزيد الاتفاقية من قيمة الصادرات الزراعية الأمريكية بمقدار يصل إلى 8.5 بلايين دولار سنوياً!!
وعلى الرغم من كل تلك العوائد التي ستحققها الاتفاقية سواء لأمريكا أو لغيرها من الدول الصناعية!! إلا أنها تلقى رفضاً لدى البعض في الولايات المتحدة فمن يرون فيها إضعافاً للنفوذ الأمريكي، في مقابل ازدياده لدى الشركات متعددة الجنسيات!! أو ممن يرون فيه تهديداً لمصالح المستهلكين ولقوانين حماية البيئة!! وهم بذلك لا يختلفون عن المنادين بالحقوق البشرية وسط تزايد الانتهاك للروح البشرية مع تصاعد حدة الحروب والقتال!!
اتفاقية “الغات” بكل بساطة، تدعو إلى مضاعفة فقر الفقراء وزيادة غنى الأغنياء!! وستزيد من جشع ونفوذ الشركات متعددة الجنسيات، المستفيد الأول من الاتفاقية!! خاصة وإنها تفتح سوقاً تنافسية غير متكافئة على الإطلاق بين دول صناعية تحظى بتكنولوجيا متطورة ومصانع حديثة، وبين دول نامية بالكاد بدأت تقف على أقدامها!!
ولكن ماذا عن عالمنا العربي؟! وكيف ستتعامل أنظمته الاقتصادية المتهالكة مع غول “الغات” خاصة بعد أن استنزف العالم الصناعي كل طاقاته التحليلية للوقوف على أثر “الغات” على اقتصاده بينما نحن بالكاد نقف على الأحرف الأولى للاتفاقية.. دون الدخول في تفاصيلها، رغم أننا أكثر المعنيين بها. فنحن، كعالم عربي، نقف في آخر سلم التصنيع، وخاصة المتطور منه، والذي إن كان قد وجد فهو في أسلحة تدميرية تستنزف ما تبقى من خيرات في أرضنا العربية!!
جاءت مناقشة الآثار المترتبة على اتفاقية “الغات” متصدرة ندوة عقدت خلال ديسمبر الماضي في أبوظبي.. والتي أكدت أن انضمام دول مجلس التعاون للاتفاقية قد يؤدي إلى تأثير محدود. وذلك لكون دول المجلس تتمتع أساساً باقتصاد مفتوح يفرض ضرائب جمركية ضئيلة دون أن يضع قيوداً على الصادرات، مما يجعل من دول المجلس أعضاء (مثاليين) في “الغات”!!
وعلى الرغم من أن الندوة قد أكدت على أن “الغات” ستوفر فوائد كثيرة لدول مجلس التعاون، أهمها النفاذ في الأسواق العالمية دون تمييز، وذلك نتيجة خفض التعرفة الجمركية!! إلا أن الندوة لم توضح بأي وجه سيتم (النفاذ إلى الأسواق العالمية) وبأي صورة!! وهل ستتمكن منتجاتنا الخليجية من الصمود إذا هي نفذت؟!
توصيات كثيرة خرجت بها الندوة، لكنها اتسمت بمثالية في الطرح، لا تتفق مع الأسلوب العملي والواقعي الذي تتم به تطبيق بنود اتفاقية “الغات” كأن توصي الندوة بضرورة تحقيق أقصى درجة من التنسيق بين دول مجلس التعاون والدول العربية في مجال دراسات ومسح الموارد الاقتصادية وتنظيم استغلالها ووضع البرامج لحماية الموارد الطبيعية وتوفير الاستثمارات ورفع الإنتاجية في الدول العربية.. إلى آخر معزوفة المثالية في الندوات العربية!!
“الغات” اتفاقية تبدو في قمة الكمال، وترسخ التكامل والتعاون الاقتصادي في عالمنا بوجه عام، غير أنها، تماماً كمؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة في الصيف الماضي، اتفاقية صيغت وأنجزت لصالح الدول الصناعية الكبرى!! تعالج مشاكلهم وقضاياهم الاقتصادية وتزيد اقتصادنا وهناً على وهن!!
إحدى الصديقات، في دفاعها عن سياسة البنك الدولي تجاه الدول النامية، تحدثت عن خطته – أي البنك – في استحداث وسائل حديثة لجمع القمامة من شوارع مصر، لتشمل سيارات قمامة متطورة بدلاً من وسائل جمعها البدائية والتي ما زالت تتم بواسطة أفراد يقومون بهذه المهمة.
وعلى الرغم من أنها كانت ترى في خطة البنك الدولي عبقرية ومصلحة عامة، إلا أنها تناست كماً من الأيدي العاملة ستفقد مصدر رزقها!! وبأي طريقة سيتم إقحام سيارات القمامة الحديثة الضخمة وسط أزقة وحواري مصر العتيقة!!
وبين حماس تلك الصديقة لخطط البنك التنموية.. وبين إغفالها لتبعات تلك الخطط يكمن الكثير الكثير.. من مآزقنا الاقتصادية في عالمنا العربي!!

