“داعش” في الكويت

لا تقل خطورة الأحداث التي تَتَشكّل على هامش الحروب عن مواقع المعارك الحربية ذاتها، بل لعل الأحداث التي تأتي على الهامش تكون مربكة أكثر، من حيث إنها تتخذ مواقع من المفروض أنها بعيدة عن ساحة المعارك الدائرة في الحرب.
في الأسبوع الماضي تم ضبط تشكيلين إرهابيين يعملان بشكل منفصل لحساب تنظيم داعش، كانا يخططان لاستهداف أحد معسكرات “الداخلية” وعدد من دور العبادة الخاصة بأهلنا من الطائفة الشيعية في الكويت.
بداية نقول إنه قد أصبح من الواضح أن هناك “أطرافاً” تتحكّم عن بُعد وعن قرب بتنظيمات، مثل “داعش” وغيره، فهؤلاء يبقون أدوات مُستَتِرة تُنفّذ أجندات ومشاريع جانبية داعمة للمتحاربين في ساحات الحروب المفتوحة والمُعلَنَة. رأينا ذلك في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وفي لبنان وفي اليمن والسودان، وتمتد القائمة اليوم لتشمل دولاً خليجية، أما الدوافع والأسباب، فيعود أغلبها إلى ما تُشكّله مثل هذه العمليات الإرهابية من ضغوطات سياسية بأهداف مختلفة.
شهدت الكويت أكبر موجة من العمليات الإرهابية في الفترة التي تزامنت مع الحرب العراقية – الإيرانية، حيث شَنّت مجموعة في عام 1983 تفجيرات عدة استهدفت منشآت أجنبية وكويتية وسفارات، ثم تكرر الإرهاب في محاولة اغتيال أمير الكويت الراحل جابر الأحمد عام 1985 وأعقبت ذلك تفجيرات المقاهي الشعبية عام 1985، بينما شهدت الكويت عمليتَي اختطاف طائرتين، الجابرية وكاظمة. وقتها كانت ساحة الحرب الفعلية على الحدود العراقية -الإيرانية، لكن هوامش تلك الحرب امتدت لتشمل أكثر من عاصمة خليجية وعربية. اليوم تتمدد الحرب المجرمة على غزة وتتخذ أنماطاً مختلفة، وهي الحرب التي تجاوزت في بشاعتها كل الحروب والمجازر والعنف، يتداخل في تفاصيلها وعلى هامشها النزاع العرقي والطائفي، وهو النزاع القابل للاشتعال ومن ثم الانتقال وبسهولة إلى مواقع على تخوم أرض المعركة ومن ورائها، ما أصبح يهدد وبشكل واضح مسألة السّلْم العالمي، الذي نجحت، بكل أسف، آلة العنف الصهيونية في تقويضه دون أن يجرؤ العالم حتى الآن على مواجهته (الكيان الصهيوني) أو ردعه أو حتى التنديد بأفعاله.
الكيان الصهيوني، ومن ورائه دول غربية كثيرة، يقول إن الحرب لن تتوقف إلا بتحقيق أهدافها، التي يأتي على رأسها القضاء على “حماس”، وهو هدف يقول، بشكل غير مباشر، إن الحرب ماضية في طريقها لأن “حماس” باختصار ليست فئة ولا شعب وإنما فكر تَتَطلّب مواجهته، إن صحّت، أعواماً عدة وليس أشهراً.
واضح أن”داعش” وغيره يتحرك بالريموت كونترول عند الحاجة، وفي الحروب لا شك تتضاعف مثل هذه الحاجة، لكن ليس بالضرورة أن تكون الأطراف (الإرهابية) هنا من “داعش” أو “القاعدة” أو “الحشد الشعبي”، فأي شرارة هنا ستؤدي حتماً الغرض وستعمل على استفحال نار الحرب، ودعم أهدافها، بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو هوية الطرف المقابل.
ظهور “داعش”، اليوم، في الكويت ومن خلال تهديدات الأسبوع الماضي، يحمل أكثر من علامة استفهام، فموقف الكويت الرسمي والشعبي سليم لما يتعلق بالحرب المجرمة على غزة، أو من خلال شجبها للاعتداءات العسكرية على العراق واليمن وسوريا، ولا يوجد ما يستدعي ظهور داعش في الكويت اليوم إلا موقفها الصارم من مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ودعمها الثابت الشجاع للقضية الفلسطينية، الذي لم يتغير على مر السنين، وهو أمر استدعى تصريحاً غاضباً من كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وذلك حين انتقد الموقف الكويتي الرافض للتطبيع، واصفاً وقوف الكويت إلى جانب الحق الفلسطيني بالأمر “غير البنّاء”.
“داعش” وغيره ليسوا دولاً لكنهم أدوات تُحركها دول مُتنفّذة متى اقتضت الحاجة لذلك، يُصنّفهم العالم منظمات إرهابية، لكنهم يحظون بكل امتيازات الدولة، من شبكات تجسس خاصة بهم، إلىأنشطة اقتصادية حولتهم إلى مُصدّري نفط، وجيوش قتالية مجهزة ومحاكم وأنظمة إدارية مستقلة، الفرق الوحيد بينهم وبين الدول أنهم لا يخضعون للقوانين الدولية، وبالتالي هم يُشكّلون رافداً حيوياً ومهماً وخفياً لكل النزاعات، يتم استخدامهم كلما دعت الحاجة وكما حدث في الكويت أخيراً.