خيار الانسحاب الأمريكي

خيار الانسحاب الأمريكي
في ظل تنامي العنف وحدته في العراق، ومع تزايد أعداد القتلى في صفوف الجيش الأمريكي يبقى السؤال الأهم حول مصير الوجود الأمريكي في العراق ومن قبله في أفغانستان؟!
السؤال هنا لا يدور حول فشل السياسة العسكرية الأمريكية أو نجاحها في العراق، وإنما هو في الخيارات المطروحة بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية بشكل عام! وعما إذا كان خيار الانسحاب متلائماً مع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل عام!
في العشرين من أغسطس الماضي نشرت جريدة “القبس” دراسة لمؤسسة أمريكان انتربرايز بعنوان “منظور الأمن القومي الأمريكي”، تتحدث عن هدفين متلازمين للولايات المتحدة للحفاظ على المبادرة الاستراتيجية في الشرق الأوسط الكبير (الإسلامي) عبر مواصلة تغيير هذه المنطقة ومواجهة القوة المتصاعدة للصين! وتقول الدراسة إن كلا هاتين المهمتين صعب للغاية، كما أنهما متقاطعتان، وبالتالي فإن الفشل في إحداهما سيعني الفشل عالمياً، كما أن تحقيق استراتيجية عسكرية للعالم الإسلامي سيتطلب حتماً سنوات عدة إن لم يكن عقوداً عدة!
ثم تمضي الدراسة لتؤكد أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتحمل “استراتيجية خروج” من العراق وأفغانستان، ولا من الشرق الأوسط الكبير ككل، وفي الوقت ذاته، فإنها لا تستطيع أن تتحمل استراتيجية أمر واقع لأن النظام السياسي الراهن في المنطقة هو جزء من المشكلة، ولهذا فمن غير المحتمل أن يتوقف التوجه الذي بدأ عام 1979 وتجسد في القيام بعمليات عسكرية كثيفة في المنطقة، فبالرغم من كلفة الانغماس العسكري في قلب العالم الإسلامي هي مرتفعة فإن كلفة الانسحاب أكبر بكثير!
الكثير وخاصة في الولايات المتحدة يرى أنها تتخبط عسكرياً سواء في العراق أو أفغانستان! لذلك فقد أخذت الإدارة السياسية الأمريكية تركز على استراتيجية سياسية في المنطقة تسعى إلى إقامة مجتمعات ديمقراطية تؤمن بالحريات البشرية وتلتزم بدساتير تصوغها برلمانات منتخبة من الشعب!
لكن الخلاف الذي اشتعل في العراق حول بعض مواد الدستور يؤكد أن الولايات المتحدة تتخبط سياسياً كذلك! خاصة وأن مواد الدستور التي دار حولها الاختلاف الإثني والعرقي هي مواد حساسة قد لا تستطيع الولايات المتحدة التدخل فيها أو تسويتها أو حتى الضغط على العراقيين لإقرارها!
فمواد الدستور التي يدور حولها الاختلاف هي المتعلقة بموقع الشريعة في الدستور وبحقوق المرأة سياسياً واجتماعياً!
إن المشكلة الحقيقية الآن في العراق ليست في السيارات المفخخة ولا في الانتحاريين ولا في عدد القتلى في صفوف القوات الأمريكية وإنما هي في صعوبة التقاء الطرفين الأمريكي من جهة والعراقي من الجهة الأخرى، وذلك لرسم صورة العراق السياسية بصورة ترضي الطموحات الأمريكية والأحلام العراقية! فإدارة الرئيس الأمريكي بوش لا تتوقف عن الضغط على الزعامات العراقية لإنجاز الدستور وفقاً للمنهج الغربي، بينما يرفض الجانب العراقي أن يلتزم بشروط قد لا تتفق مع تركيبته الإثنية والعرقية!
في ظل ظروف واستراتيجيات معقدة كهذه يكون الحديث عن انسحاب أمريكي من العراق حديثاً يشوبه الكثير من الخيال والمبالغة! فالخيارات أمام الولايات المتحدة صعبة إن لم تكن معدومة! وبين أن تنسحب أمريكا أو لا تنسحب يبقى السؤال الأكثر إثارة!

