شئون دولية

خرائط البنتاغون

خرائط البنتاغون

في العام 2011 توقعت مجلة “الإيكونومست” البريطانية حرباً مدمرة في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن لهذه الحرب مؤشرات، تكمن في فشل محاولات صُنع السلام العربي – الإسرائيلي، وأيضاً في إصرار إيران على امتلاك السلاح النووي.
ما بين ذلك التقرير لـ “الإيكونومست” واليوم تضاعفت مبررات الحرب كثيراً، وأصبح الحديث عن الدمار القادم والمتوقع جزءاً من كل الحوارات السياسية والفكرية.
في أعقاب حرب تحرير الكويت تم تداول تقرير قِيل عنه حينها إنه تقرير سري مسرَّب من البنتاغون. التقرير هذا كان يتحدَّث عن شرق أوسط جديد تتغيَّر معه ملامح خريطة الشرق الأوسط، وتسقط بفعله مصطلحات، كالأمة العربية والعالم العربي، وتحل محلها منظومة شرق أوسطية تضم بالإضافة إلى الدول العربية كلاً من إسرائيل وتركيا.
من المؤكد أن هناك تغييراً حقيقياً أحدثته ثورات الربيع العربي التي لم تُطِح بأنظمة ديكتاتورية عريقة فقط، وإنما جاءت كذلك بوعي مجتمعي جديد، وعي بأهمية الحرية وأولويتها، ووعي بضرورة انغماس المواطن في المشاركة السياسية الحقيقية، ووعي بقيم العدل والحرية والمساواة. مثل هذا الحجم من الوعي سيكون تحت بصر وإدراك كل القيادات السياسية المقبلة.
الشرق الأوسط الجديد هو الذي سيعمل على الانتقال من حالة الثورة إلى واقع بناء الدولة، وتلك بحد ذاتها مهمة لن تكون أبداً سهلة، لأن الانتقال بالثورة سيمر حتماً بمراحل صعبة ودقيقة، وستمر المنطقة معه بسنوات طويلة من التوتر والعنف السياسي والمجتمعي إلى أن يستقر غبار الثورات، وتلمح من خلفه بوادر الدولة الحقيقية.
نعم، هناك شرق أوسط جديد، لكنه قطعاً لن يكون وفقاً للمشروع الغربي وحده، ولن يخضع لقوى الإسلام السياسي، ممثلة بالإخوان في هذه الحالة، وكما يتوهم البعض ويتخوَّف. وإذا كان للعرب دور في رسم هذا الشرق الجديد، فسيكون دوراً من خلال مؤسسات حُكم جديدة ليست مفروضة، بل منتخبة، وليست دائمة، بل مرحلية. أما تيارات الإسلام السياسي، فسيكون دورها في هذه الحقبة من الوعي العربي الجديد محكوماً بشروط ومتطلبات التحوُّل الديمقراطي الذي عصف بجميع أرجاء العالم العربي الجديد.
نجاح الثورات العربية سيكون مرهوناً بإقامة أنظمة ديمقراطية حقيقية، وبالتزامها بشعارات الكرامة والحرية والعدالة.
إن أي تغيير في خريطة أو شكل العالم العربي يجب أن ينبع أولاً من تصوُّرات واحتياجات من الداخل، وليس له أن يفرض اليوم من الخارج. وسواء كان في الأمر حرباً جديدة، أو خريطة مرسومة، فإن الواقع العربي الجديد قد تحوَّل بشكل جذري عمَّا كان عليه في الثمانينيات والتسعينيات، حين تم تسريب خرائط البنتاغون.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى