رثائيات

خالي العزيز وداعاً

تقول الأساطير القديمة إن الملوك والعظماء لا يموتون، بل يتحولون إلى نجوم ساطعة مضيئة تلهب سماءنا الدنيا بضيائها ونورها، وتضيء لنا بين الفينة والأخرى درباً من دروب الحياة الوعرة ومسلكاً من مسالكها الصعبة المتمردة والعاصية.
فبعد أن استلهمت عزائي في فقدي لخالي العزيز من تلك الطمأنينة التي أضفتها كلمات الله العظمى على حال أولئك الذين يغادرون الحياة الدنيا بفنائها إلى حياة الآخرة بخلودها وبقائها، استقيت من تلك الأساطير شيئاً من السكينة والصفاء وأنا أصارع جاهدة جرفاً من الحزن أغرقني وأحال فضائي إلى غيوم سوداء جرداء من كل مطر أو ندى، فخالي العزيز لم يمت بل غادرنا مطمئناً هانئاً إلى حيث رحمة الله التي شملت كل شيء! وهو نجم صعد إلى السماء ساطعاً ولامعاً، يضيء لي ولغيري دروبنا، وينير لنا نحن الأشقياء طاقة من الضوء خَلَّفَتْهَا أفكاره وكتبه وإصداراته الثرية علماً وفكراً وإحساساً.
لم يكن الدكتور عبدالله حمد المعجل شقيقاً لأمي وحسب، بل كان نبراساً لازمني منذ طفولتي، وسقاني كل ما تعلمت وكل ما عرفت في هذه الحياة، فقرأت في العلوم كلها بصحبته، وحاورني في كل ما نطقت به العبقرية البشرية من رؤى واختراعات ومستجدات، وحلمت معه بالرقي والتقدم الذي يصبو إليه الإنسان في كل مكان، هو الذي قدمني لكل ما أدين به من مفاهيم ومعتقدات ورأي، فعلى يديه وتحت ناظريه حلمت بالأحلام العربية الكبيرة، وأتقنت بفضله لغة العروبة ومشاعرها والتزاماتها، وعشت معه أفراحها وانتكاساتها.
لم يكن الدكتور عبدالله حمد المعجل خالاً بالمفهوم التقليدي للمسمى، بل كان عرابي الذي عمدني بكل العلوم وفنونها، فمعه قرأت في الفيزياء، ومعه أدمنت علم الأحياء، وبصحبته أولعت بعلوم الكون وأسراره وصرت أقرأ وأتفكر في نظريات نشأة الكون، والنجوم السوداء، ونظريات النسبية الخاصة والعامة، والانفجار الكوني الكبير! هو الذي علمني نظريات ميكانيكا الكم Quantum Mechanics ومبدأ عدم التأكد Uncertainty Principle وهو الذي فسر لي تجربة قطة شرودينفر الخيالية، ورقم بلانك Plancks Constant والنهايات المنفردة Singularisties هو الذي أطلعني، وبكل سلاسة، على حوار العالم بور Bohr التاريخي مع أينشتاين وعن التأثير الشبحي عن بُعد في علم الفيزياء الذي أرق أينشتاين، ونظرية الأوتار String theory ونظرية الفوضى chaos theory وغير ذلك الكثير الكثير.
ألم أقل لكم إنه ليس خالاً بالمعنى التقليدي للكلمة؟ كان هو موسوعتي المتحركة والآن أنا أجلس وحيدة بلا موسوعة وبلا مرجع يجيب عن تساؤلاتي الفضولية وبلا عقل يحاورني في ما أقرأ من كتب أو في ما أسمع من مستجدات!
خسارتي إذاً هي ولا شك أفدح من أن تواسيها جمل المواساة التقليدية، وهي خسارة يوافقني بشأنها كل من عمل أو ارتبط مع الدكتور عبدالله الحمد المعجل بحوار أو بعمل، يوافقني فيها أساتذة في علم الرياضيات عملوا معه في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المملكة العربية السعودية، حيث تخرج على يده العديد من طلبة العلم.
ويشاركني في تلك الخسارة الذين عملوا معه في منظمة الخليج للاستشارات الصناعية في قطر، حيث كان أميناً عاماً للمنظمة، وذلك قبل أن ينطلق من البحرين من خلال مكتبه الاستشاري “الخليج للتقنيات العالمية”.
أما الذين لم يلتقوا معه في أيّ من تلك المواقع، فقد التقوه في روايته الأولى “الغربة الأولى”، ومؤخراً في كتابه الجديد “البحث عن الحقيقة: الوعي البشري وحقائق الكون”.
وسيتجدد لقاؤهم به حين يصدر كتابه – قيد الطبع – “الغربة الثانية”.
ستبقى يا خالي العزيز حياً في كتبك، وستبقى لأفكارك صدى خارج إطارها وستكون سلواي وأنيسي حين يفترسني الشوق إليك وتلتهمني حرقة فراقك، فارقد آمناً حيث أنت وانطلق نجماً مشرقاً عالياً في وعينا وسمائنا.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى